أُمَّهَتِي خِنْدِفٌ وَالْيَاسُ أبي
(لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) في موضع الحال، ومعناه: غير عالمين شيئاً من حق المنعم الذي خلقكم في البطون، وسوّاكم وصوّركم، ثم أخرجكم من الضيق إلى السعة. وقوله: (وَجَعَلَ لَكُمُ) معناه: وما ركب فيكم هذه الأشياء إلا آلات لإزالة الجهل الذي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أمهتي خندف والياس أبي)، لقُصي بن كلاب، قبله:

إني لدى الحرب رخي اللبب معتزم الصولة عالي النسب
يقال: فلان في لبيبٍ رخي، أي: في حال واسعة، "الاعتزام": لزوم القصد.
قوله: (وما ركب فيكم هذه الأشياء إلا آلات لإزالة الجهل)، الحصر مستفاد من فحوى الكلام وانصبابه في قالب جوامع الكلم، وهو أنه تعالى ما خلق الخلق إلا ليعبد، ويُعرف لقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: ٥٦]، فأخبر تعالى أنه أخرجهم من ظلمات الرحم إلى فضاء عالم التكليف وهم غير عالمين لما خلقوا له، كما قال: غير عالمين شيئاً من حق المنعم، فخلق لهم السمع ليسمعوا آياته البينات، وبصراً لينظروا إلى الدلائل الدالة على وجوده، وفؤاداً ليتفكروا في آلائه وحكمته، فيجعلوها وسيلة إلى ما خُلقوا له من الشكر والعبادة، كما قال: (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فظهر أن هذه آلات ما خُلقت إلا لاجتلاب العلم والعمل به، فمن جعلها آلات لغير ذلك فقد أبطل حكمة الله في خلقها، وانخرط في سلك (أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) [الأعراف: ١٧٩].
قال القاضي: (لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) جُهالاً مستحصبين جهل الجمادية (وَجَعَلَ لَكُمْ) أداة تعلمون بها فتحسون بمشاعركم جزئيات الأشياء فتدركونها، ثم تتنبهون بقلوبكم لمشاركات ومباينات بينها بتكرير الإحساس، حتى تحصل لكم العلوم البديهية وتتمكنوا من


الصفحة التالية
Icon