الصلاة والسلام، كانوا يعرفونها ثم ينكرونها عناداً، وأكثرهم الجاحدون المنكرون بقلوبهم. فإن قلت: ما معنى ثم؟ قلت: الدلالة على أن إنكارهم أمر مستبعد بعد حصول المعرفة، لأنّ حق من عرف النعمة أن يعترف لا أن ينكر.
[(وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ* وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ)].
(شَهِيداً) نبيا يشهد لهم وعليهم بالإيمان والتصديق، والكفر والتكذيب، (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) في الاعتذار، والمعنى: لا حجة لهم، فدل بترك الإذن على أن لا حجة لهم ولا عذر، وكذا عن الحسن رحمه الله. (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ): ولا هم يسترضون، أي: لا يقال لهم: أرضوا ربكم؛ لأن الآخرة ليست بدار عمل. فإن قلت: فما معنى (ثم) هذه؟ قلت: معناها أنهم يمنون بعد شهادة الأنبياء بما هو أطم منها، وهو أنهم يمنعون الكلام فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة ولا إدلاء بحجة. وانتصاب اليوم بمحذوف، تقديره: واذكر يوم نبعث، أو: يوم نبعث وقعوا فيما وقعوا فيه، وكذلك إذا رأوا العذاب بغتهم وثقل عليهم (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) كقوله: (بَلْ تَاتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ) الآية [الأنبياء: ٤٠].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لا يقالُ لهم: أرضوا ربكم)؛ لأن الاستعتاب: طلب إزالة العتاب، وعتاب الله عبارة عن سخطه وعدم رضاه، أي: لا يطلب منهم غزالة سخط الله عنهم.
قوله: (أنهم يمنون)، أي: يبتلون، الجوهري: منوته ومنيته، أي: ابتليته.
قوله: (وكذلك إذا رأوا العذاب)، قيل: "إذا رأوا العذاب" أيضاً منصوب بمحذوف، ويقال: إن وجه الشبه يقتضي أيضاً تأخير المحذوف في التقدير، أي: يوم يُبعث وقعوا فيما وقعوا، وكذلك إذا رأوا العذاب وقعوا فيما وقعوا أيضاً، وإليه أشار بقوله: "بغتهم" وكذا وكذا، وفي تركيبه- أعني: إذا راوا العذاب بغتهم وثقل عليهم، فلا يُخفف-إيذانٌ


الصفحة التالية
Icon