ابن تيم وكانت خرقاء؛ اتخذت مغزلا قدر ذراع وصنارة مثل أصبع وفلكة عظيمة على قدرها، فكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر، ثم تأمرهنّ فينقضن ما غزلن. (تَتَّخِذُونَ) حال، و (دَخَلًا): أحد مفعولي اتخذ. يعنى: ولا تنقضوا أيمانكم متخذيها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الحال من (غَزْلَهَا)، ويجوزُ أن يكون مفعولاً ثانياً على المعنى؛ لأن معنى (نَقَضَتْ): صيرت.
وفي الحاشية: (أَنكَاثاً): نصب على المصدر؛ لأن معنى "نكثت": نقضت، وعلى ما في الكتاب: هو مفعولٌ به لفعل محذوف، لقوله: "فجعلته أنكاثاً"، وهذا أولى الوجوه، وأدخلُ في معنى التمثيل؛ لأن التركيب من باب: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) [المائدة: ٦]، ولذلك قد أنحت على غزلها، وجاء بالفاء في "فجعلته" فجمع بين القصد والفعل، والتشبيه التمثيليُّ كلما كان أكثر تفصيلاً وأوفر تصويراً كان أحسن، ولذلك أوثر الجمع في: (أَنكَاثاً) على الإفراد لتنويع النكوث، وأقيم الوصف في قوله: (كَالَّتِي نَقَضَتْ) منزلة الموصوف ليشعر بأن الناقضة جامعة لمعانٍ، توجبُ انحطاط شأنها من كونها خرقاء عاجزة عجوزاً إلى غير ذلك.
وهذا التمثيل بجملته توكيدٌ لقوله: (وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا)، وهو إما استعارة مكنية بأن تكون الاستعارة في الأيمان، والنقض القرينة، وتوكيدها الترشيح، أو تمثيلية، والتمثيلان، أعني: "لا تنقضوا"، و (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا)، وأراد أن على الأمر بوفاء العهد، أعني: وأوفوا بالعهد، على اطرد والعكس؛ لأن منطوق الأمر بإيفاء العهد مؤكدٌ لمفهوم النهي عن النقض وبالعكس، فظهر أن الغرض من التشبيه إبراز حال ناقض العهد، وأنه خارج من جملة الرجال الكملة والعقلاء المراجيح، داخل في زمرة النساء، بل في أدونها حالاً وأنقصها عقلاً.
قوله: (صُنارة)، الجوهري: "الصُّنارة: رأسُ المغزل".


الصفحة التالية
Icon