معطوفان على محل (ليثبت). والتقدير: تثبيتا لهم وإرشادا وبشارة، وفيه تعريض بحصول أضداد هذه الخصال لغيرهم. وقرئ: (ليثبت)، بالتخفيف.
[(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)].
أرادوا بالبشر: غلاما كان لحويطب بن عبد العزى قد أسلم وحسن إسلامه اسمه عائش أو يعيش، وكان صاحب كتب. وقيل: هو جبر، غلام رومي كان لعامر بن الحضرمي. وقيل عبدان: جبر ويسار، كانا يصنعان السيوف بمكة ويقرآان التوراة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا مُوافق لما ذهب إليه القاضي في "المنهاج" في الناسخ والمنسوخ: أن حُكمه أن يتبع المصالح فيتغير بتغيرها، وغلا فله كيف يشاء.
قوله: (وفيه تعريض) أي: في إثبات التثبيت والهدى والبشارة للمؤمنين تعريض بحصول أضدادها في المشركين والزائغين، وذلك أن قوله: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) الآية جواب عن قول المشركين: (إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ)، وهو قريب من باب الأسلوب الحكيم، فإنهم أرادوا بقولهم: (إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ): أن هذا ليس من كلام الله تعالى؛ لأن الله تعالى لا يسخر من أحد، يأمرهم اليوم بشيء وينهاهم غداً عنه، بل هو من تلقاء نفسك، فأجيبوا بان هذا من الله، فزيد في التصوير بأن قيل: (نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) ثم زيد قوله: (بِالْحَقِّ) لينبه على الدفع عن الطعن بألطف الوجوه، أي: تنزيله ملتبس بالحق والحكمة ومصالح الخلق، ثم النعي على قبح أفعالهم بأن قيل: (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) إلى آخره تعريضاً بأن أضداد هذه الخصال حاصلة فيهم، وأنهم متزلزلون ضالون موبخون منذرون بالخزي والنكال واللعن في الدنيا والآخرة، وأن أعداءهم على خلاف ذلك، ليزيد في غيظهم وحنقهم، ما أحسن هذا البيان! لله دره.


الصفحة التالية
Icon