ومعنى المجادلة عنها: الاعتذار عنها، كقوله: (هؤُلاءِ أَضَلُّونا) [الأعراف: ٣٨]، (ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام: ٢٣]، ونحو ذلك.
[(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَاتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ* وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ)].
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً) أي جعل القرية التي هذه حالها مثلا لكل قوم أنعم الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يُخل بالإضافة؛ لأن الاتحاد يحصل بالاختصاص، والاختصاص يحصل بالإضافة، فيكون الاتحاد أثر الإضافة، فكيف يكون مانعاً للإضافة؟
وقلت: قول المصنف: "فالنفس الأولى هي الجملة، والثانية عينها، معناه: أن اعتبار الماهية غير اعتبار الجملة، فإن الجملة يقع فيها اعتبار الماهية مع اعتبار أفرادها.
قوله: (أي: جعل القرية التي هذه حالها مثلاً)، ضمن (ضَرَبَ) معنى (جعلَ) ليصح المعنى؛ لأن معنى ضرب المثل: اعتماده وصنعهن من ضرب اللبن والخاتم، كأنه جعل القرية الموصوفة بما يليها مفعولاً أولاً، و"مثلاً": مفعولاً ثانياً، وقريبٌ منه ذكر مكي في قوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ) [يس: ١٣] قال: أصح ما يعطي القياس والنظر في "مثل" و"أصحاب" أنهما مفعولان لـ"اضرب"، دليله قوله تعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ) [يونس: ٣٤]، فلا اختلاف أن (مَثَلَ الْحَيَاةِ): ابتداء و (كَمَاءٍ): خبره. وقال في موضع آخر: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ) [الكهف: ٤٥]، فدخل "اضرب" على الابتداء والخبر، فعمل فيهما، فقد تعدى "اضرب" الذي هو لتمثيل الأمثال إلى مفعولين بلا خلاف في هذا، فوجب أن يجري في غير هذا الموضع على ذلك.
والفاء في قوله: "فيجوز أن يُراد قرية" تفصيلية، والفاء في "فضربها الله مثلاً" متعلق بقوله: "أن يكون في قرى الأولين قرية".


الصفحة التالية
Icon