عليهم فأبطرتهم النعمة، فكفروا وتولوا، فأنزل الله بهم نقمته. فيجوز أن تراد قرية مقدرة على هذه الصفة، وأن تكون في قرى الأوّلين قرية كانت هذه حالها، فضربها الله مثلا لمكة؛ إنذاراً من مثل عاقبتها (مُطْمَئِنَّةً): لا يزعجها خوف، لأن الطمأنينة مع الأمن، والانزعاج والقلق مع الخوف. (رَغَداً): واسعاً. والأنعم: جمع نعمة، على ترك الاعتداد بالتاء، كدرع وأدرع. أو: جمع نعم، كبؤس وأبؤس. وفي الحديث: نادى منادى النبي ﷺ بالموسم بمنى: «إنها أيام طعم ونعم فلا تصوموا». فإن قلت: الإذاقة واللباس استعارتان، فما وجه صحتهما؟ والإذاقة المستعارة موقعة على اللباس المستعار، فما وجه صحة إيقاعها عليه؟ قلت: أما الإذاقة فقد جرت عندهم مجرى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إنها أيام طُعم ونُعم)، وفي رواية لمسلم: أنه صلوات الله عليه أمر خادمه أن ينادي أيام التشريق: إنها أيام أكل وشرب.
قوله: (الإذاقة واللباس استعارتان)، خلاصة السؤال: أنه سأل عن بيان استعارة (فَأَذَاقَهَا) واستعارة (لِبَاسَ الْجُوعِ)، وعن نسبة أحداهما إلى الأخرى، فإنه تعالى أوقع إحدى الاستعارتين مفعولاً للأخرى.
قوله: (أما الإذاقة)، يريد أن الإذاقة بعدما كانت مستعارة للإدراك والإصابة، صارت حقيقة في الإصابة بسبب كثرة استعمالها وشيوعها فيها، ثم انتهض لبيان الجواب عن الاستعارة الأولى على سبيل الاستئناف، بأن قال: شبه ما يدرك، أي: شبه ما يدرك الإنسان من أثر الضرر بما يحس من طعم أمر والبشع، ثم أدخل المشبه في جنس ما يدرك من الطعم ثم أطلق ما يدرك بالفعل على اسم ما يحس بالفم، هذا تقرير أصل الاستعارة، وأنها مسبوقة لمثل هذا التشبيه، لا بيان أنها استعارة تبعية؛ لأن قوله: "ما يدرك من أثر الضرر"، بفتح


الصفحة التالية
Icon