الجديدين (عَدَدَ السِّنِينَ) وَجنس الْحِسابَ وما تحتاجون إليه منه ولولا ذلك لما علم أحد حسبان الأوقات، ولتعطلت الأمور (وَكُلَّ شَيْءٍ) مما تفتقرون إليه في دينكم ودنياكم (فَصَّلْناهُ) بيناه بيانا غير ملتبس، فأزحنا عللكم، وما تركنا لكم حجة علينا.
[(وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتابًا يَلْقاهُ مَنْشُورًا* اقْرَا كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)].
(طائِرَهُ) عمله وقد حققنا القول فيه في سورة النمل. وعن ابن عيينة: هو من قولك: طار له سهم، إذا خرج، يعني: ألزمناه ما طار من عمله. والمعنى أنّ عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل لا يفك عنه، ومنه مثل العرب: "تقلدها طوق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقد حققنا القول فيه في سورة النمل)، والمذكور فيها هو: كان الرجل يخرج مسافراً فيمر بطائر فيزجره، فإن مر سانحاً تيمن، وإن مر بارحاً تشاءم، فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر، استعير لما كان سببهما من قدر الله وقسمته، ومن عمل العبد الذي هو السبب في الرحمة والنقمة، ومنه قالوا: طائر الله لا طائرك، أي: قدر الله الغالب الذي يُنسبُ إليه الخير والشر، لا طائرك الذي يتشاءم به ويتيمن به.
قوله: (والمعنى أن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغُل لا يفك عنه)، قال الإمام: إنما خص العنق من بين سائر الأعضاء؛ لأن الذي يكون عليه إما أن يكون خيراً يزينه، أو شراً يشينه، مايزين يكون كالطوق والحلي، وما يشين يكون كالغل.
واعلم أن هذا من أدل الدلائل على أن كل ما قدره الله تعالى للإنسان وحكم به في سابق علمه واجب الوقوع ممتنع العدم؛ لأن قوله: (أَلْزَمْنَاهُ) صريح في أن ذلك الإلزام


الصفحة التالية
Icon