[(وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً)].
كَمْ مفعول (أَهْلَكْنا) و (مِنَ الْقُرُونِ) بيان لكم وتمييز له، كما يميز العدد بالجنس، يعني عاد وثموداً وقروناً بين ذلك كثيرا. ونبه بقوله (وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) على أن الذنوب هي أسباب الهلكة لا غير، وأنه عالم بها ومعاقب عليها.
[(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُومًا مَدْحُورًا* وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا)].
من كانت العاجلة همه ولم يرد غيرها كالكفرة وأكثر الفسقة، تفضلنا عليه من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (على أن الذنوب هي أسباب الهلكة لا غيرُ)، ولك من ترتب قوله: (كَمْ أَهْلَكْنَا) على قوله تعالى: (خَبِيراً بَصِيراً)، أي: خبيراً بذنوب العباد وبصيراً بها، لما يعلم أن الذنوب نتائجها الكفر والكفران وتكذيب آيات الله، وقتل الأنبياء وغير ذلك، قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا)، فصح قوله: "إن الذنوب هي أسباب الهلكة لا غير"، والذي يدل على فظاعة شأنها قوله: (وَكَفَى بِرَبِّكَ).
قوله: (من كانت العاجلة همه ولم يُرد غيرها)، يدل على القيد معنى الإرادة، فإن الإرادة هي: عقد القلب بالشيء وخلوص همه فيه، وإنما قال: كالكفرة "والفسقة"؛ لأن الآية قوبلت بها. قوله تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، فإن الكافر ينكر الأجل، والفاسق وإن لم ينكر لكنه منهمك في الشهوات، فكأنه معرض عن الآخرة، وفيه إيماء إلى مذهبه.


الصفحة التالية
Icon