مبالغة في التذلل والتواضع لهما (مِنَ الرَّحْمَةِ): من فرط رحمتك لهما وعطفك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وغداة ريح قد كشفت وقرة إذ أصبحت بيد الشمال زمامها
شبه الشمال بالإنسان، ثم خيل أنها إنسانٌ بعينه، ثم أضيف إليه على سبيل الاستعارة التخيلية ما يُلازم الإنسان ند التصرف، وهو اليد قائلاً: بيد الشمال، وحكم الزمام مع القرة حكم اليد مع الشمال عند التصرف، كذا هاهنا: شبه الذل بالطائر، ثم أثبت له ما يلازم الطائر عند انحطاطه وانخفاضه من الجناح. وعلى الأول خفض الجناح كناية عن التواضع، وكان في الأصل استعارة تمثيلية، شبه ما يتصور من الإنسان في حال التواضع من الانخفاض، بما يشاهد من الطائر عند انحطاطه من الجو، ثم كثر استعماله فيه حتى صار عبارة عن مجرد التواضع، ثم أضيف إلى الذل تتميماً لإرادة التواضع.
الراغب: الجناح: جناح الطائر، يقال: جنح الطائر: إذا كُسر جناحه، وسُمي جانبا الشيء جناحيه، كجناحي العسكر والسفينة والوادي. وقال تعالى: (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ) أي: جانبكن وقوله: (إِلَيْكَ جَنَاحَكَ) عبارة عن اليد لكون الجناح كاليد. وقوله: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ) استعارة، وذلك أن الذل ضربان: ضرب يضع الإنسان، وضربٌ يرفعه، وقصد في هذا المكان إلى ما يرفعه، فكأنه قيل: استعمل الذل الذي يرفعك عند الله تعالى من أجل اكتسابك الرحمة أو من اجل رحمتك لهما. وجنح الليل: إذا أظل بظلامه، والجنح: قطعة من الليل مظلمة، وجنحت السفينة: إذا مالت إلى أحد جانبيها، وسُمي الإثم المائل بالإنسان عن الحق جناحا، ثم سمي كل إثم جناحاً، وجوانح الصدر: الأضلاع المتصلة رؤوسها في وسط الزور، الواحدة جانحة، لما فيها من الميل.
قوله: (مبالغة في التذلل والتواضع لهما)، أي: للوالدين.
قوله: ((مِنْ الرَّحْمَةِ) من فرط رحمتك لهما)، جعل (مِن) في (مِنْ الرَّحْمَةِ) ابتدائية


الصفحة التالية
Icon