[(ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً)].
(أَيُّ) يتضمن معنى الاستفهام، فعلق عنه (لِنَعْلَمَ) فلم يعمل فيه. وقرئ: (ليعلم) وهو معلق عنه أيضا؛ لأن ارتفاعه بالابتداء لا بإسناد «يعلم» إليه، وفاعل «يعلم» مضمون الجملة كما أنه مفعول «نعلم»، (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) المختلفين منهم في مدّة لبثهم؛ لأنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك، وذلك قوله: (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) [الكهف: ١٩]، وكان الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم: هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول، أو أي الحزبين المختلفين من غيرهم، و (أَحْصى) فعل ماض، أي: أيهم ضبط (أَمَداً) لأوقات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحي: وكان يخلو بغارِ حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد، الليالي ذوات العدد. الحديث، قيل: فيه نظرٌ؛ لأن العدد يعبر به عن القلة، كقوله تعالى: (دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ) [يوسف: ٢٠]، أي: قليلة تُعد عداً، ولأن الكثيرة يمنع من عدها كثرتها، فإنما تُهالُ هيلاً، أو تُكالُ كيلاً. وأجيب: بأن الكثرة والقلة بحسب اقتضاء المقام، فإن مقام التعجب من خرق العادة يقتضي الكثرة، على أن المراد بقوله: (سِنِينَ عَدَداً) [الكهف: ١١]، (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) [الكهف: ٢٥]، ومقام التهاون بيوسف والزهد في قيمته يقتضي القلة.
قوله: (أي الحزبين المختلفين)، الراغب: الحزب: جماعةٌ فيها غلظٌ، وحزبُ الشيطان. وقوله تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ) [الأحزاب: ٢٢] عبارة عن المجتمعين لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم، (فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ).
قوله: ((أَحْصَى) فعلٌ ماض)، الراغب: الإحصاء: التحصيل بالعدد، يقال: أحصيت كذا، وذلك من لفظ الحصى، واستعمال ذلك فيه من حيثُ إنهم كانوا يعتمدونه بالعد كاعتمادنا


الصفحة التالية
Icon