بقدرته على الإنامة والبعث جميعا، ليسأل بعضهم بعضا ويعرفوا حالهم وما صنع الله بهم، فيعتبروا ويستدلوا على عظم قدرة الله تعالى ويزدادوا يقينا، ويشكروا ما أنعم الله به عليهم وكرموا به (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) جواب مبنى على غالب الظن. وفيه دليل على جواز الاجتهاد والقول بالظن الغالب، وأنه لا يكون كذبا وإن جاز أن يكون خطأ (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) إنكار عليهم من بعضهم، وأن الله أعلم بمدّة لبثهم، كأنّ هؤلاء قد علموا بالأدلة أو بإلهام من الله أنّ المدة متطاولة، وأنّ مقدارها مبهم لا يعلمه إلا الله. وروى أنهم دخلوا الكهف غدوة وكان انتباههم بعد الزوال، فظنوا أنهم في يومهم، فلما نظروا إلى طول أظفارهم وأشعارهم قالوا ذلك. فإن قلت: كيف وصلوا قولهم: (فَابْعَثُوا) بتذاكر حديث المدة؟ قلت: كأنهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[الأنعام: ٣٦]، أي: يخرجهم وينشرهم. وثالثها: بعثة الرسل لإرشاد الخلق وتكميل الناقصين. ورابعها: الإلهام، قال تعالى: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ) [المائدة: ٣١]. وخامسها: مُشابه لبعث الموتى، قال تعالى: (بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى) [الكهف: ١٢]. والضرب الثاني: بشريٌّ، نحو قولهم: بعثتُ زيداً في حاجة فلان، وبعثتُ الجيش والبعوث، وبعثتُ البعير: أثرته وسيرته.
قوله: (كيف وصلوا قولهم: (فَابْعَثُوا) بتذاكر حديث المدة)، يعني: ما المناسبة بين قوله: (قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وبين قوله: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ)؟ وأجاب: أنه من باب الأسلوب الحكيم، كقوله:
أتت تشتكي عندي مزاولة القرى... وقد رأت الضيفان ينحون منزلي
فقلت كأني ما سمعت كلامها:... هم الضيف جدي في قراهم وعجلي
قال القاضي: وقيل: إنهم دخلوا الكهف غدوة وانتبهوا ظهيرة وظنوا أنهم في يومهم،