محرم يشدّ عليه هميانه: أوثق عليك نفقتك. وما حكي عن بعض صعاليك العلماء» أنه كان شديد الحنين إلى أن يرزق حج بيت الله، وتعولم منه ذلك، فكانت مياسير أهل بلده كلما عزم منهم فوج على حج أتوه فبذلوا له أن يحجوا به وألحوا عليه، فيعتذر إليهم ويحمد إليهم بذلهم، فإذا انفضوا عنه قال لمن عنده: ما لهذا السفر إلا شيئان: شدّ الهميان، والتوكل على الرحمن (أَيُّها) أيّ أهلها، فحذف الأهل كما في قوله: (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف: ٨٢]، (أَزْكى طَعاماً) أحلّ وأطيب وأكثر وأرخص، (وَلْيَتَلَطَّفْ) وليتكلف اللطف والنيقة فيما يباشره من أمر المبايعة حتى لا يغبن. أو في أمر التخفي حتى لا يعرف (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) يعني: ولا يفعلنّ ما يؤدى من غير قصد منه إلى الشعور بنا، فسمى ذلك إشعارا منه بهم، لأنه سبب فيه الضمير في (إِنَّهُمْ) راجع إلى الأهل المقدر في (أَيُّها). (يَرْجُمُوكُمْ) يقتلوكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أوثق عليك نفقتك)، من الأسلوب الحكيم، أي: لا شك في جوازه، وإنما الذي يهمك هو هذا.
قوله: ((أَزْكَى طَعَاماً): أحل وأطيب)، الراغب: أصل الزكاة النمو الحاصل من بركة الله تعالى، ويعتبر ذلك بالأمور الدنيوية والأخروية، يقال: زكا الزرع يزكو: إذا حصل منه نمو وبركة. وقوله: (فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً) إشارةٌ إلى حلال لا يستوخم عقباه. ومنه الزكاة يخرجها الإنسان إلى الفقراء لما فيها من رجاء البركة، أو لتزكية النفس، أي: تنميتها بالخيرات والبركات، أو لهما جميعاً، فإن الخيرين موجودان فيها.
قوله: (والنيقة). الأساس: تنوق في الأمر، وفلان له نيقة، ومن المجاز: تأنق فيعمله، وفي كلامه: أي: فعل فعل المتأنق.
قوله: ((وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً)) من باب قولهم: لا أرينك هاهنا، ولهذا قال: "ولا يفعلن ما يؤدي من غير قصدٍ منه إلى الشعور".