وفي يده سيف. ومنه قوله تعالى: (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر: ٤]، وفائدتها تأكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر، وهذه الواو هي التي آذنت بأن الذين قالوا: سبعة وثامنهم كلبهم، قالوا عن ثبات علم وطمأنينة نفس ولم يرجموا بالظن كما غيرهم. والدليل عليه أنّ الله سبحانه أتبع القولين الأولين قوله رَجْماً بِالْغَيْبِ وأتبع القول الثالث قوله ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ وقال ابن عباس رضي الله عنه:....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قيل: فالوجه أن يُقال: جاءني رجلان، في مثل هذا؟
قلت: فائدته أن يُفهم أنهما جاءا مصاحبين. وأما الواو في مثل "مررت بزيد وفي يده سيفٌ" فإنما جاز دخولها بين ذي الحال والحال لكون الحال في حكم جملة، بخلاف الصفة بالنسبة إلى الموصوف، فإن: "جاء زيدٌ راكباً" في حكم "جاءني زيدٌ وهو راكبٌ" بخلاف: "جاءني زيدٌ الراكبُ"، فافهمه راشداً. سلمنا أنها داخلة بين الصفة والموصوف لتأكيد اللصوق. فأما الدلالة على أن اتصافه بها أمرٌ ثابتٌ مستقرٌ، فغير مسلم، فأين الدليل على ذلك؟ وقوله: "وهذه الواو هي التي آذنت بأن الذين قالوا: (سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس" في غاية البعد.
قوله: (والدليل عليه أن الله سبحانه وتعالى) إلى آخره؛ إن كان المراد به أنه دال على إيذان الواو على ما ذُكر، فامتناع ذلك ظاهرٌ. فإن كان المراد به أنه دال على صدق من قال: (سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) فحاصله ظن ضعيف بحسب أن (رَجْماً بِالْغَيْبِ) لم يؤخر إلى أن قيل: (سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)، وأما قوله: (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ) فهو غير دال على ذلك البتة. وأما قول ابن عباس رضي الله عنه، فهو غير دال على أنه أراد ما ذُكر، بل الظاهر أنه علم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم.