..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ...
ويُقوي هذا الوجه أن الجملة الثالثة جاءت بالواو، والمعنى فيها كالمعنى فيما تقدم، ويتعذر أن تكون صفة مع الواو، مع أنك لا تقول: مررت برجل وعاقل، فتعين أن يكون خبراً بعد خبر، والأخبار إذا تعددت جاز أن يكون الثاني بواو وبغير واو.
هذا إن سُلم أن المعنى في الجمل واحدٌ. وأما إن قيل: إن قوله: (َثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)، فيفهم على ذلك بأن القائلين بأنهم سبعة أصابوا في ذلك، لوا يلزم على هذا أن يكون خبراً بعد خبر، ويقويه قول قبل ذلك: (رَجْماً بِالْغَيْبِ)، ثم ذكر بعد قوله: (رَجْماً بِالْغَيْبِ) الجملة الثالثة، فدل على أنها مخالفة لما قبلها في الرجم بالغيب، وإذا خالفتها في ذلك وجب أن تكون صدقاً، إلا أن هذا الوجه يضعف من حيث إن الله تعالى قال: (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ)، فلو جعلنا قوله: (َثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) تصديقاً لمن قال: سبعةٌ، لوجب أن يكون العالم به كثيراً، فإن أخبار الله صدق، فدل على أنه لم يصدق منهم أحدٌ، وإذا كان كذلك وجب أن تكون الجمل كلها متساوية في المعنى، وقد تعذر أن تتكون الأخيرة وصفاً، فوجب أن يكون الجميع كذلك تم كلامه.
وقد عُلم من مفهومه أن الواو هي المانعة من الوصفية، وداؤه داؤهم، فالدواء الدواء.
وأما قوله: "وجب أن تكون الجمل كلها متساوية"، فكلام عن مقتضى البلاغة بمراحل؛ لأن في كل اختلاف فوائد، والبليغ من ينظر إلى تلك الفوائد لا من يرده إلى التطويل والحشو في الكلام. وأيضاً، لابد من قول صادق بين الأقوال الثلاثة لينطبق عليه قوله: (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ) مع قوله: (رَجْماً بِالْغَيْبِ)؛ لأنهُ قد اندفع به القولان الأولان، فيكون الصادق هذا، وتعقيبه به أمارة على صدقه، وعلى ما ذهب إليه السائل مفقود ذلك، ومع هذا أين طلاوة الكلام؟ أم أين اللطف والمرام؟ وهاهنا نكتةٌ لابد من إظهارها؛ وذلك أن قصة الكهف لامحةٌ إلى قصة الغار، ومشابهة لها من حيث اشتمالها على حكم بديع الشأن.