الكتاب فيهم كذا وكذا، ولا علم بذلك إلا في قليل منهم، وأكثرهم على ظنّ وتخمين (فَلا تُمارِ فِيهِمْ) فلا تجادل أهل الكتاب في شأن أصحاب الكهف إلا جدالا ظاهرا غير متعمق فيه، وهو أن تقص عليهم ما أوحى الله إليك فحسب ولا تزيد، من غير تجهيل لهم ولا تعنيف بهم في الردّ عليهم، كما قال (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: ١٢٥].
(وَلا تَسْتَفْتِ) ولا تسأل أحدا منهم عن قصتهم سؤال متعنت له، حتى يقول شيئا فتردّه عليه وتزيف ما عنده، لأن ذلك خلاف ما وصيت به من المداراة والمجاملة، ولا سؤال مسترشد، لأن الله قد أرشدك بأن أوحى إليك قصتهم.
[(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً* إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً)].
(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ) ولا تقولنّ لأجل شيء تعزم عليه (إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ) الشيء (غَداً) أي: فيما يستقبل من الزمان، ولم يرد الغد خاصة (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) متعلق بالنهى لا بقوله: (إني فاعل)؛ لأنه لو قال: إني فاعل كذا إلا أنّ يشاء الله، كان معناه: إلا أن تعترض مشيئة الله دون فعله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إلا أن تعترض مشيئة الله دون فعله). الانتصاف: وليت شعري! ما معنى قول الزمخشري: إلا أن تعترض المشيئة دون فعله؟ واعتقاده أن مشيئة الله لاتعترض على فعل أحدٍ، فلم يشأ - عندهم - فلا فتُرك، وتركاً ففُعِلَ، حتى إنهم يقولون: إن قول القائل: والله لا أفعل إلا أن يشاء الله أن أفعله، كذبٌ إذا كان مباحاً؛ لأن الله لا يشاؤه بزعمهم، فسثحقاً لاعتقادهم.
وقال ابن الحاجب: الوجه فيه أن يكون استثناء مفرغاً، كقولك: لا يجيء إلا بإذن زيد ولا يخرج إلا بمشيئته، على أن يكون الأعم المحذوف: حالاً، أو مصدراً، وحُذفت


الصفحة التالية
Icon