..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ...
الباء من بـ (أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)، أي: إلا بذكر المشيئة، وقد عُلم أن ذكر المشيئة المستصحبة في الإخبار عن الفعل المستقبل هي المشيئة المذكورة بحرف الشرط أو معناه، كقولك: إن شاء الله وبمشيئة الله وما أشبههما، هذا هو المعنى من قول المصنف. والثاني: ولا تقولنه إلا بأن يشاء الله.
وقال ابن الحاجب: وأما ما ذكر انه متصلٌ بقوله: (إِنِّي فَاعِلٌ) ففاسدٌ، إذ يصير المعنى: إني فاعلٌ بكل حال إلا في حال مشيئة الله، فيصير المعنى النهي عن أن يقول: إني فاعلٌ إن شاء الله، وهذا لا يقوله أحدٌ. وأما ما ذكر من أنه استثناء منقطع فبعيدٌ؛ لأنه يؤدي إلى نهي كل واحد عن أن يقول: إني فاعلٌ غداً، كذا مطلقاً، قيده بشيء أو لم يقيد، وهو خلاف الإجماع لجواز قول القائل: لأفعلن كذا إن شاء الله، وأما ما ذكره بعض المتأخرين أن "إلا" ليست باستثناء لا متصل ولا منقطع، فهو جهل وغباوة، ولا خفاء في أنه عني قوله: وهو أن يكون إن شاء الله كلمة تأبيد، كأنه قيل: ولا تقولنه أبداً.
والجواب عنه: أنا نقلنا عن الزجاج في قوله تعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) [الدخان: ٥٦]، وقد عُلم وحُقق أن ذوق الموتة الأولى في الجنة محالٌ، فيكون كناية عن التأبيد، فالمعنى: لا تقولن يما يتعلق بالوحي: أن أخبركم به إلا أن يشاء الله، والله تعالى لم يشأ أن تقوله من عندك، فإذن لا تقولنه أبداً، وعليه قوله: "لأن عودهم في ملتهم مما لن يشاءه الله"، وعلى هذا جُعل الاستثناء منقطعاً، لا تقولن يا محمد فميا يتعلق بالوحي: إني أخبركم به، لكن قل: أخبركم بإذن الله وبمشيئته، كقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: ٣ - ٤]، فالمخاطب على التقديرين رسول الله صلى الله عليه وسلم، يؤيده قوله: "وهذا نهيُ تأديب من الله تعالى لنبيه حين قالت اليهود لقريش" إلى آخره. والحاصل أن خصوصية المقام تجوز كثيراً من نحو هذا.


الصفحة التالية
Icon