غاب في السماوات والأرض وخفي فيها من أحوال أهلها ومن غيرها وأنه هو وحده العالم به. وجاء بما دل على التعجب من إدراكه المسموعات والمبصرات، للدلالة على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال القاضي: وقيل: إنه حكاية كلام أهل الكتاب، فإنهم اختلفوا في مدة لُبثهم كما اختلفوا في عدتهم، فقال بعضهم: ثلاث مئة سنة، وبعضهم: ثلاث مئة وتسع سنين.
وقلتُ: ويمكن أن يُقال: إنه من كلام الله تعالى، فإن أهل الكتاب كما اختلفوا في عدتهم اختلفوا في مدة لبثهم، فكما جيء في ذلك المقام بما يرفع الاختلاف، جيء هاهنا ذلك، فإن قوله: (وَازْدَادُوا تِسْعاً) بيان لنصوصية اللبث وتقريرٌ له، ودفعٌ للاحتمال، ونظيره الاستثناء في قوله تعالى: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً) [العنكبوت: ١٤]، وسيجيء بيانه. فقوله: (قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا) مثل: (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) هناك. وهذا التأويل يُرجح قول من قال: إن هذا من كلام الله تعالى. والله أعلم.
قوله: (وجاء بما دل عليه التعجب من إدراكه المسموعات والمبصرات). قال القاضي: والهاء تعود إلى "الله"، ومحله الرفع على الفاعلية، والباء مزيدة عند سيبويه، وكان أصله أبصر، أي: صار ذا بصرن ثم نُقل إلى صيغة الأمر بمعنى الإنشاء، فبرز الضمير لعدم لياق الصيغة، وهو أن ضمير الغائب لا يمكن استثناؤه في أمر المخاطب أو لزيادة الباء، كما في قوله: (وَكَفَى بِهِ) [النساء: ٥٠]، والنصب على المفعولية عند الأخفش، والفاعل: ضمير المأمور، وهو كل أحدٍ، والباء مزيدة إن كانت الهمزة للتعدية.
وقال صاحب "الكشف": وكان القياس إضمار "به" في الثاني؛ لأن الجار والمجرور في موضع الفاعل، لكن استغنى بذكره في الأول لأنه لا يجوز العطف على عاملين كما فعل في قول الشاعر:


الصفحة التالية
Icon