والله من الصغائر قبل الكبائر (إِلَّا أَحْصاها) إلا ضبطها وحصرها (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) في الصحف عتيدا. أو جزاء ما عملوا (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) فيكتب عليه ما لم يعمل. أو يزيد في عقاب المستحق، أو يعذبه بغير جرم، كما يزعم من ظلم الله في تعذيب أطفال المشركين بذنوب آبائهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما يزعم من ظلم الله) أي: نسبه إلى الظلم، من قولك: خطأته، أي: نسبته إلى الخطأ، أو قلت له: يا خاطئ، وليس المعنى: صيره ظالماً، نحوه: فرحته.
والأحاديث المروية في أطفال المشركين مشهورة، منها: ما رواه مسلمٌ وأبو داود والنسائي، في آخر حديث عائشة رضي الله عنها: "إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم وهم في أصلاب آبائهم".
وفي رواية أبي داود: قالت: فقلتُ: يا رسول الله، ذراري المؤمنين؟ فقال: "هم من آبائهم"، فقلت: يا رسول الله، بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"، قلتُ: يا رسول الله، فذراري المشركين؟ فقال: "من آبائهم"، فقلتُ: بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". و"مِن" فيه اتصالية.
ومنها: ما روى البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة، قال: سُئل رسول الله ﷺ عن أطفال المشركين عمن يموت منهم وهو صغيرٌ، قال: "الله أعلمُ بما كانوا عاملين". فظهر من هذه النصوص من ظلم الله بسبب نسبة رسوله إلى الظلم.
قال القاضي: معنى: (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) يكتب عليه ما لم يفعل. وقال أيضاً: كرر قوله: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا) في مواضع لكونه مقدمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحال، وهاهنا لما شنع على المفتخرين واستقبح صنيعهم، قرر ذلك أنه من سنن إبليس، أو لما بين حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها، وكان سببُ الاغترار بها حب الشهوات