شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته، وانتشاره في الشعر وفشوّه فيه وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار؛ ثم أخرجه مخرج الاستعارة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأقولُ: إن الكلام إذا كان مُنصباً إلى غرضٍ من الأغراض جُعل سياقه له وتوجهه إليه، كأن ما سواه مرفوضٌ مُطرح، هذا نص المصنف في سورة "يس". المقصود من الإيراد في هذا المقام: إظهارُ الضعف في البدن وإبداءُ تساقط القوى؛ ألا ترى إلى أداة الحصر في قوله: "وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه" يعني: ما ذكر العظم لأن يكون الكلام فيه، بل لأن ينبه على ان هذا الجنس الذي هو عمود البدن وقوامه قد أصابه الوهن، ولو قيل: العاظم لرجع القصد إلى أن الكلام في العظام في أنه لم يهن بعضها فقط بل كلها؛ لأن ترك المفرد إلى الجمع ثم تحليته باللام الاستغراقية يُنبئ عن أن القصد إلى أنه لم يهن بعض العظام بل كلها، ويخرج عن المقصود، ألا ترى إلى تصريحه بالقصد في قوله: "لكان قصداً إلى معنى آخر" وتكريره.
ونحوه قوله: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) [طه: ٦٩]، فإنه لو قيل: السحرة، لأوهم أن الجمعية معتبرةٌ في الحكم بعدم الفلاح، بخلاف المفرد، فإن القصد فيه أن هذا الجنس، وأن ما يقال له: الساحر، محكوم عليه بأنه لا يفلح.
قوله: (شبه الشيب بشواظ النار)، إلى قوله: (وفشوه... باشتعال النار)، كتب صاحب "الإيضاح". في حاشية كتابه: أن في جعل الآية من التشبيهين نظراً؛ لأن المذكور في طرفي التشبيه في الاستعارة بالكناية اسم المشبه دون المشبه به، والاستعارة بالكناية تستلزم الاستعار التخييلية، فإن التخييلية هي: إما إثبات أمر مختص بالمشبه به للمشبه، من يغر أن يكون هناك أمرٌ ثابت حساً أو عقلاً أطلق عليه اسم ذلك الأمر، وإما إطلاقُ لفظٍ على


الصفحة التالية
Icon