[(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ) [.
(يُنَزِّلُ) قرئ بالتخفيف والتشديد. وقرئ (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) أي تنزل (بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِه) ِ بما يحيى القلوب الميتة بالجهل من وحيه، أو بما يقوم في الدين مقام الروح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال القاضي: الياء التحتانية على تلوين الخطاب، أو على الخطاب للمؤمنين، أو لهم ولغيرهم.
قوله: ((يُنَزِّلُ) قرئ بالتخفيف والتشديد)، بالتخفيف: ابن كثير وأبو عمرو.
قوله: (بما يحيي القلوب الميتة بالجهل من وحيه)، "مِن": بيان "ما"، تلخيصه: يُنزلُ الملائكة بالوحي، شبه الوحي تارة بالروح لما فيه من حياة الروح الميتة بالجهل، وأخرى بها لما يتزين به الدين كما تتزين الروح بالجسد، ثم أقيم المشبه به مقام المشبه، فصار استعارة تحقيقية مصرحة، والقرينة الصارفة عن رادة الحقيقة: إبدال (أَنْ أَنذِرُوا) من "الروح"، قيل: (مِنْ أَمْرِهِ) مخرجُ الاستعارة إلى التشبيه، كما في قوله تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) [البقرة: ١٨٧].
قلتُ: بينهما بونٌ بعيد؛ لأن نفس الفجر عين المشبه الذي شُبه بالخيطين، وليس مطلق الأمر هاهنا مشبهاً بالروح حتى يكون بياناً له؛ لأنه أمر عام بمعنى الشأن والحال، ولهذا يصح أن يُفسر الروح الحيواني به، كقوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء: ٨٥] أي: من شأنه، ومما استأثر الله بعلمه، وأن يُفسر الروح المراد منه الوحي به، أي: من شأنه ومما أنزله على أنبيائه. نعم، هو مجاز أيضاً؛ لأن الأمر العام إذا أطلق على فرد من أفراده كان مجازاً، ومن ثم قال المصنف في قوله تعالى: (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِي) [غافر: ١٥]: الروح من أمره الذي هو سبب الحياة من أمره،


الصفحة التالية
Icon