في الجسد، و (أَنْ أَنْذِرُوا) بدل من الروح، أى ينزلهم بأن أنذروا. وتقديره: بأنه أنذروا، أي: بأن الشأن أقول لكم أنذروا. أو تكون «أن» مفسرة، لأنّ تنزيل الملائكة بالوحي فيه معنى القول. ومعنى (أنذروا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) أعلموا بأنّ الأمر ذلك، من نذرت بكذا إذا علمته. والمعنى: يقول لهم أعلموا الناس قولي (لا إله إلا أنا فَاتَّقُونِ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يريد الوحي الذي هو أمر بالخير، وبعث إليه، فاستعار له الروح. انتهى كلامه.
فيكون البيان والمبين كلاهما مجازين مترادفين، ولما كان البيان والمبين كشيء واحد جمعهما في قوله: (الرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) الذي هو سبب الحياة، وأيضاً لو كان تشبيهاً لفُهم التشبيه على تقدير الوقف على أمره، والله أعلم.
قوله: (بأن الشأن أقول لكم)، عن بعضهم: إنما زاد في التفسير "أقول" لأن الأمر لا يقع خبراً للمبتدأ، وهو الشأن. وقلت: يعني أن ضمير الشأن مبتدأ، و (أُنْذِرُوا): خبره، وهو إنشاء، فلابد من تقدير القول ليصح حملُ الإنشائي على المبتدأ، وأما تقدير "يقول" في الوجه الثاني، أي: يقول لهم الله: أعلموا الناس، فهو معنى (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ)، لأنه حينئذ في تقدير القول، قال القاضي: الآية تدل على أن نزول الوحي بوساطة الملائكة، وأن حاصله التنبيه على التوحيد الذي هو كمال القوة العلمية، والأمر بالتقوى الذي هو أقصى كمال القوة العملية، وأن النبوة عطائية، والآيات التي بعدها دليل على وحدانيته، من حيث إنها تدل على أنه تعالى هو الموجد لأصول العالم وفروعه على وفق الحكمة والمصلحة، ولو كان له شريك لقدر على ذلك، فيلزم التمانع.
قوله: (أعلموا بأن الأمر ذلك) إنما فسر الإنذار بالإعلام ليستقيم إيقاعه على قوله: (أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا)، كقوله: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ).