دلالة على قدرته. والثاني: فإذا هو خصيم لربه، منكر على خالقه، قائل: (مَن يُحْيِي العِظَامَ وهِيَ رَمِيمٌ)] يس: ٧٨ [، وصفاً للإنسان بالإفراط في الوقاحة والجهل، والتمادي في كفران النعمة. وقيل نزلت في أبىّ بن خلف الجمحي حين جاء بالعظم الرميم إلى النبي ﷺ فقال: يا محمد، أترى الله يحيى هذا بعد ما قد رمّ؟ !
[(وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَاكُلُونَ) [.
الْأَنْعامَ: الأزواج الثمانية، وأكثر ما تقع على الإبل، وانتصابها بمضمر يفسره الظاهر، كقوله (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ)] يس: ٣٩ [ويجوز أن يعطف على (الإنسان)] النحل: ٤ [، أى: خلق الإنسان والأنعام، ثم قال (خَلَقَها لَكُمْ) أى ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم يا جنس الإنسان. والدفء: اسم ما يدفأ به، كما أنّ الملء اسم ما يملأ به،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (دلالة على قدرته)، نصبٌ؛ مفعول له لمقدر، أي: ذكر الله تعالى خلق الإنسان من نطفة وجعله خصيماً مبيناً دلالة على قدرته تعالى، وكذا قوله: "وصفاً للإنسان"، والفرق أن القصد الأولى في سوق الآية على الأول بيان قدرة الله الكاملة، وأنه تعالى خلق من الشيء الحقير هذا الخلق الخصيم، كقوله تعالى: (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) إلى قوله: (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) [المرسلات: ٢٠ - ٢٣]، وعلى الثاني: القصد إلى بيان وقاحة الإنسان وتعديه طوره، كقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) [يس: ٨٧ - ٨٨]، ويؤيد الأول قوله: (خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) وقوله: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ)، والثاني قوله: (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ)، وكذا قوله: (تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، والثاني أوفق لتأليف النظم.
قوله: (وأكثر ما تقع على الإبل)، "ما": مصدرية: أي: "الأنعامُ" أكثر وقوعها على الإبل.
قوله: (ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم)، دل على الحصر لام الاختصاص في (لَّكُمْ)،


الصفحة التالية
Icon