وهو الدفاء من لباس معمول من صوف أو وبر أو شعر. وقرئ: (دفّ)، بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على الفاء (وَمَنافِعُ) هي نسلها ودرّها وغير ذلك. فإن قلت: تقديم الظرف في قوله (وَمِنْها تَاكُلُونَ) مؤذن بالاختصاص، وقد يؤكل من غيرها. قلت: الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم. وأما الأكل من غيرها من الدجاج والبط وصيد البر والبحر فكغير المعتدّ به وكالجاري مجرى التفكه. ويحتمل أن طعمتكم منها، لأنكم تحرثون بالبقر فالحبّ والثمار التي تأكلونها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع فحوى الخطاب، ولذلك قال: "يا جنس الإنسان"، ويُمكن أن لا يُعلق (لَّكُمْ) بـ (خَلَقَهَا)، بل يكون خبر (دِفْءٌ) لتطابق قرينتها، وهي (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ)، فيحصل نوع من الاختصاص من تقديم الخبر، وأما تخصيص ذكر جنس الإنسان فلإفادة الالتفات، وهو الانتقال من الغيبة إلى الخطاب، وفائدة المكافحة: تتميم معنى الإنكار على كفران النعمة الذي يعطيه قوله: (فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ).
قوله: (من صوف أو وبر أو شعر)، أي: من الغنم أو الإبل أو المعز، والدف: آلة الدفء.
قوله: (التفكه)، الأساس: ومن المجاز: تفكه بكذا: تلذذ به، وفاكهت القوم مفاكهة: طايبتهم.
قوله: (ويحتمل أن طعمتكم منها)، فهو من إطلاق السبب على المسبب، ويجوز أن يُقال: ومنها ينتفعون، فيكون المجاز في "تأكلون"؛ لأن الكلام مع أرباب المواشي، وعلى الأول المجاز في الأنعام من إطلاق مُعظم الشيء على كله، وكل ذلك تعسف؛ لأن التقديم لمراعاة الفواصل، ويكون من عطف الخاص على العام؛ لأن الأكل أصل الانتفاع.