..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ..
وتعبدوه من دلائل الآفاق والأنفس وما خلق لكم من الأنعام وغيرها لانتفاعكم بها بالأكل والركوب وجر الأثقال والزينة على ما ألفتم واتخذتم شعاراً لأنفسكم وافتخرتم بها؟ يدل عليه قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ).
وأما الجواب عن قولهم: "لو كان أكل لحوم الخيل جائزاً لكان هذا المعنى أولى بالذكر"، فقد أشار إليه القاضي بأن قال: لا دليل فيه، إذ لا يلزم من تعليل الفعل بما يُقصد به غالباً أن لا يقصد منه غيره أصلاً، وأما الجواب عن الحصر بتقديم معمول (يَاكُلُونَ)، فهو النظر إلى رعاية الفواصل لا غير، كما سبق هذا، ولو فهم الصحابة رضوان الله عليهم من هذه الآيات غير ما هي عليه من بيان الامتنان، لم يكن فعلهم يوم خيبر رشيداً، على ما روينا في "صحيح البخاري"، عن البراء بن عازب وعبد الله بن أبي أوفى: أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأصابوا حمراً فطبخوها، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكفئوا القدور.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يستنبط التحريم على طريقة إشارة النص؟ قلت: إشارة النص من الدلائل الدقيقة اللطفة المستخرجة من الأحكام، والكلام مسوق للامتنان كما سبق. نعم، فيه إشارة إلى جُل الغرض فيها، ومعظم الانتفاع منها ما ذكر من الركوب والزينة، وأما التحريم فلا، ولابد من دليل منفصل للتحريم والتحليل، والدليل من جانبنا، ولولا أن ورود الآية للامتنان بحسب ما ألفوا واعتادوا لم يذكر الزينة أصلاً، وكيف ذلك وقد ورد النهي عنها على ما روينا عن البخاري ومسلم ومالك وأبي داود والنسائي، عن أبي هريرة في حديث طويل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخيل ثلاثة: هي لرجل أجرن ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله"، وساق الحديث إلى قوله: "ورجل ربطها تغنياً وتعففاً ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها، فهي لذلك الرجل ستر، ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء على أهل الإسلام، فهي على ذلك وزر" الحديث.


الصفحة التالية
Icon