مقحم فيه (هُمْ)، كأنه قيل: وبالنجم خصوصاً هؤلاء خصوصاً يهتدون، فمن المراد ب (هُمْ)؟ قلت: كأنه أراد قريشاً: كان لهم اهتداء بالنجوم في مسايرهم، وكان لهم بذلك علم لم يكن مثله لغيرهم، فكان الشكر أوجب عليهم، والاعتبار ألزم لهم، فخصصوا.
[(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)].
فإن قلت: (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) أريد به الأصنام، فلم جيء بمن الذي هو لأولى العلم؟ قلت:
فيه أوجه، أحدها: أنهم سموها آلهة وعبدوها، فأجروها مجرى أولي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقديم المجرور، وهو (وَبِالنَّجْمِ) على عامله، وهو (يَهْتَدُونَ)، وثالثها: توكيد التركيب بقوله: (هُمْ)، فدل تلون الخطاب على امتياز هؤلاء عن السابق ذكرهم، ودل تقديم (وَبِالنَّجْمِ) على اختصاص هؤلاء بالاهتداء بالنجم دون غيرها مما يُهتدى به، ودل التوكيد بإقحام (هُمْ) على اختصاصهم بهذه الهداية، دون غيرهم.
وأجاب عن تلوين الخطاب بقوله: "كأنه أراد قريشاً"، وعن التوكيد بقوله: "كان لهم اهتداء بالنجوم في مسايرهم"، وعن التخصيص بقوله: "وكان لهم بذلك علمٌ لم يكن مثله لغيرهم".
وقلت: ويمكن أن يُقال: إن قوله: "ألقى في الأرض سُبلاً" عام في أهل القرى والمدن والبوادي (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) إما أن يتعلق بأول الآية أو بقوله: (سُبُلاً)، ويكون (لَعَلَّ) للتحقيق، وأما الاهتداء بالنجم فمختص بمن هو حاذق في سلوك البحر، والمهامه: البيدُ التي لا منار لها ولا سبيل، وتقديم (وَبِالنَّجْمِ) لأن معناه: وبالنجم خصوصاً لا بغيره يهتدون، أو لمراعاة الفواصل، وإقحام (هُمْ) لتقوي الحكم، والعدول إلى الغيبة للالتفات، والإيذان بأن هذا الاهتداء أغربُ من الأول، والمعرضُ عنه أدخلُ في الكفران، والفاء في "فكان الشكر": للسببية، وكذا في قوله: "فخصصوا".


الصفحة التالية
Icon