فكان حق الإلزام أن يقال لهم: أفمن لا يخلق كمن يخلق؟ قلت: حين جعلوا غير الله مثل الله في تسميته باسمه والعبادة له وسوّوا بينه وبينه، فقد جعلوا الله تعالى من جنس المخلوقات وشبيهاً بها، فأنكر عليهم ذلك بقوله: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ).
[(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ* وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ)].
لا تُحْصُوها لا تضبطوا عددها ولا تبلغه طاقتكم، فضلا أن تطيقوا القيام بحقها من أداء الشكر، أتبع ذلك ما عدّد من نعمه تنبيهاً على أنّ وراءها ما لا ينحصر ولا ينعدّ (إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) حيث يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكر النعمة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجه الخليفة كالقمر، والقمرُ كوجه الخليفة، والمشركون لما تعاملوا مع الأصنام بما ينبغي أن يُعامل به الإله الحق من تسميتها بالآلهة، والتوجه بالعبادة إليها، فلم يبق عندهم فرق بينها وبينه، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، حصل التشابه، فقيل ما قيل، أو ذهب إلى التعكيس: لأن من حق المشبه أن يكون أحط من المشبه به فيما وقع فيه الشبه، فإذا قُلبَ انعكس مزيداً للتقريع والتجهيل.
قوله: (اتبع ذلك)، أي: أتبع قوله: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) ما عدد، أي: جميع ما عدد من أول السورة إلى هاهنا من النعم، فقوله: (ذَلِكَ): مفعول أول، وقوله: "ما عدد": مفعول ثانٍ، يعني: لما عدد النعم المتكاثرة، وأريد استيفاء جميع أقسامها، وأنواعها، وكانت مما لا تنحصر بحسب العباد، ختم بجامع يحتويها كلها تنبيهاً على أن وراء المذكورة مما لا يُعد، كقوله تعالى: (وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ).
قوله: ((إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) حيث يتجاوز عن تقصيركم)، إلى آخره، فيه إشارة إلى أن التعليل بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) للتذييل، وفي قوله: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) إشعارٌ بوجود تقصير في أداء شكر ما أولاهم من النعم، وذلك من مفهوم


الصفحة التالية
Icon