قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (١).
أما الخطاب في هذه الآية فكما قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم (أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا) لا وثناً ولا صليباً ولا صنماً ولا طاغوتاً ولا ناراً ولا شيئاً، بل نفرد العبادة لله وحده لا شريك له؛ وهذه هي دعوة جميع الرسل، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (٢) " (٣).
وفي تفسير أبي السعود: "أن هذه الآية أمر بخطاب أهل الكتابين، وقيل: بخطاب وفد نجران، وقيل: بخطاب يهود المدينة. (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) لا يختلف فيها الرسل والكتب، وهي: (ألا نعبد إلا الله) أي: نوحده بالعبادة ونخلص فيها (ولا نشرك به شيئا) ولا نجعل غيره شريكا له في استحقاق العبادة، ولا نراه أهلاً لأن يعبد" (٤).
وهكذا يتفق المفسرون على أن الخطاب في هذه الآية موجة إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وأنهم مدعوون إلى توحيد الله تعالى وإلى شهادة أن لا إله إلا الله، ونبذ الشرك به. بل إن الآية الكريمة تنص على أن كلمة التوحيد هي الكلمة السواء التي اتفق الرسل عليها، ونزلت الكتب بها، وأنه لا خلاف بينهم عليها كما ذكرنا من قبل؛ لكن أهل الكتاب من اليهود والنصارى تغَّير موقفهم من التوحيد إلى الشرك حينما طال عليهم الأمد، وأضاعوا الكتب، وضلوا عن حقيقة دينهم، فأخذوا تعاليم دينهم من الأحبار والرهبان الذين لم يكونوا حفظة لها بحق، فحرفوا وبدلوا الدين، وأدخلوا فيه ما ليس منه، ولم يكن التحريف قاصراً على فروع الدينأعني: أحكام الحلال والحرام بل امتد ذلك التحريف ليطال أصل الدين وجوهره، فأدخلوا الشرك وجعلوه من أصول الدين، وقد تجلى ذلك في تقديس أنبيائهم واتخاذهم أرباباً مع الله تعالى، ثم تقديس أحبارهم ورهبانهم واتخاذهم أرباباً من دون الله، فأحلّوا لهم الحرام، وحرموا عليهم الحلال، فتعالى الله
_________
(١) سورة آل عمران: الآية (٦٤).
(٢) سورة الأنبياء الآية: (٢٥).
(٣) انظر: تفسير القرآن العظيم (١/ ٣٧٢) مرجع سابق.
(٤) انظر: إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم (٢/ ٤٧) مرجع سايق.