وعليه فالغلو في الدين هو المبالغة فيه ومجاوزة الحد إلى حيز الإسراف، أي: دون الرجوع إلى الوحي والهدى الذي يريده الله من عباده، وقد حصلت من أهل الكتاب المجاوزة للحدود في معتقداتهم وفي أعمالهم وفي أشخاصهم، وهذا هو من الطغيان الذي حذر الله منه بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾ (١)، وحذر الله رسوله محمداً - ﷺ - ومن معه من مخالفته بقوله تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (٢).
وقد فصل العلماء في الكلام عن الغلو والتحذير منه كصفة أساسية لأهل الكتاب، سنذكر بعضه عند نقل كلام المفسرين على الآيات في المطلب الآتي:
المطلب الثاني: آيات النهي عن الغلو، وأقوال المفسرين فيها.
أما الغلو في الدين فقد ورد ذمه في القرآن الكريم في عدة مواضع، وقد بين المفسرون معنى هذا الغلو أثناء تفسيرهم لتلك الآيات التي تتحدث عن الغلو؛ فمنها:
الآية الأولى:
قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ (٣).
قد اختلف أهل التفسير في بيان من هو المخاطب بهذه الآية، هل هم اليهود أو النصارى أو جميعهم، وفيما يلي أقوال المفسرين:
الفرع الأول: المخاطب بالآية.
القول الأول: أنه خطاب لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وبه قال مجموعة من المفسرين منهم الإمام القرطبي (٤)، والخازن، والبيضاوي " (٥) والشيخ القطان من المعاصرين.
_________
(١) سورة طه الآية: (٨١).
(٢) سورة هود الآية: (١١٢).
(٣) سورة المائدة الآية: (٧٧).
(٤) هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي، توفي سنة (٦٧١ هـ)، من مؤلفاته الجامع لأحكام القرآن. انظر: طبقات المفسرين للسيوطي (ص: ٩٢)، وطبقات المفسرين للداوودي (٢/ ٦٩)، وطبقات المفسرين للأدنروي (ص: ٢٤٦) مرحع سابق.
(٥) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٦/ ٢٥٢) مرجع سابق، ولباب التأويل في معاني التنزيل، (٢/ ٣١٨) مرجع سابق، تفسير البيضاوي (٢/ ٣٥٥) مرجع سابق، تفسير القطان (١/ ٤٢٥).


الصفحة التالية
Icon