القول الثاني: أنه خطاب للنصارى خاصة؛ وبه قال الطبري رحمه الله، والزمخشري، والسعدي من المعاصرين (١).
فعلى القول الأول يكون الخطاب في الآية من العام المراد به العام، وعلى القول الثاني يكون من العام المراد به الخاص.
وعند النظر في السياق نجد أن القول الثاني قد يكون أولى؛ وذلك للآتي:
أولاً: لأن الكلام في الآيات السابقة لهذه الآية مباشرة كان عن غلو النصارى في سيدنا عيسى - عليه السلام -، وذلك ابتداء من قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ (٢)، وما زال السياق يتحدث عنهم حتى هذه الآية وما بعدها من الآيات.
ثانياً: لقوله تعالى في نفس الآية: (ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل... ) والمقصود بـ (قوم قد ضلوا من قبل) اليهود؛ لأنهم أكثر الناس اتباعاً للهوى، فيكون الخطاب موجهاً للنصارى بأن لا يتبعوهم، فهذه القرينة ترجح أن الخطاب من باب العام المراد به الخاص، ولكن هذا لا يتنافى وكون اليهود مشمولين بالخطاب؛ لأن عندهم من الغلو نحو ما عند النصارى وأكثر، كما قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ (٣).
ومن غلوهم المقابل لغلو النصارى غلوهم في اتهام عيسى وأمه عليهما السلام بالبهتان والفرية، وأشد من ذلك محاولة قتلهم لبعض الأنبياء، وكما هو مذكور في آيات أخرى.
ولأن السياق السابق منذ بداية السورة يخاطب اليهود والنصارى جميعاً، فتارة يذكرهم بلفظ (اليهود والنصارى)، وتارة بلفظ (أهل الكتاب)، كقوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ.. ﴾ (٤).
_________
(١) انظر: جامع البيان في تأويل القرآن (٦/ ٣١٦)، مرجع سابق، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (١/ ٦٩٩) مرجع سابق، تفسير البيضاوي (٢/ ٣٥٥) مرجع سابق، التفسير الميسر (٢/ ٢٥١) المؤلف: عدد من أساتذة التفسير تحت إشراف الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
(٢) سورة المائدة الآية: (٧٢).
(٣) سورة التوبة الآية: (٣٠ - ٣١).
(٤) سورة المائدة الآية: (١٥).