الثاني: دعوة أهل الكتاب في عصرنا الحاضر إلى الإسلام، وذلك أن دينهم قد حرف وبدل ودخله الغلو والمبالغة، والإفراط والتفريط، ولا يمكنهم التخلص من ذلك إلا بالدخول في الإسلام الذي جاء بالدين الوسط الكامل، والإيمان بالقرآن المصدق لما سبقه من الكتب والمهيمن عليها.
الثالث: تنبيه المسلمين ألا يقعوا فيما وقع فيه أهل الكتاب قديماً من الغلو الذي نهى النبي - ﷺ - عنه، فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - ﷺ -: ﴿وإياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين﴾ (١).
وعن أيضاً أن رسول الله - ﷺ - قال: ﴿لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله﴾ (٢).
وقال رسول الله - ﷺ -: ﴿هلك المتنطعون قالها ثلاثا﴾ (٣).
و(المتنطعون) أي: المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم (٤).
الفرع الرابع: مفاسد الغلو في الدين قديماً وحديثاً.
إن الغلو مذموم في الشرع، ولا شك أن ذلك دليل على احتوائه على مفاسد تعود على الغالي والمغلو فيه في الدين والدنيا، وقد بيَّن العلماء بعض تلك المفاسد أخذاً من النصوص الشرعية المتعلقة بالخطاب القرآني في النهي عن الغلو، وأخذاً مما وقع فيه أهل الكتاب جراء الغلو، فمن ذلك:
١ - أنه تنزيل للمغلو فيه فوق منزلته إن كان مدحاً، ودونها إن كان قدحاً.
٢ - أنه يؤدي إلى عبادة هذا المغلو فيه كما هو الواقع من أهل الكتاب.
_________
(١) أخرجه أحمد بن حنبل في المسند، (١/ ٢١٥) برقم: (١٨٥١)، المؤلف: أبي عبدالله أحمد بن حنبل الشيباني، الناشر: مؤسسة قرطبة - القاهرة مصر، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها، وإسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير زياد بن الحصين فمن رجال مسلم.
(٢) أخرجه البخاري، باب قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انْتَبَذَتْ من أهْلِهَا﴾ (٣/ ١٢٧١) برقم: (٣٢٦١) مرجع سابق.
(٣) أخرجه مسلم، باب قوله: هلك المتنطعون (٤/ ٢٠٥٥) برقم: (٢٦٧٠) مرجع سابق.
(٤) انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، (١٦/ ٢٢٠) المؤلف: أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الطبعة الثانية، ١٣٩٢ هـ.