فتبين مما سبق أنهم كانوا يعرفون الحق ويكتمونه وقد بين الله موقفهم من ذلك بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ (١).
الفرع الثاني: مشروعية المباهلة حديثاً:
والأهم في موضوع المباهلة هو أنه هل يمكن أن تقوم بيننا وبين أهل الكتاب حديثاً مباهلة في المواضيع العقدية التي تتعلق بالمسيح عليه - عليه السلام - وفي غيرها، وتكون كبديل عن مناظرتهم ومحاورتهم؟ أم أنها خاصة برسول الله - ﷺ -.
فقد تكلم الكثير من العلماء عن مشروعيتها وجوازها بعد رسول الله - ﷺ - إذا اختلف الناس في أمر وأصر أحد المختلفين على الباطل بعد قيام الحجة، وسنذكر هنا مجموعة من أقوال العلماء في جواز ذلك.
ذكر ابن حجر (٢) رحمه الله عدة فوائد في قصة وفد أهل نجران حينما جاءوا إلى رسول الله - ﷺ - منها: مشروعية مباهلة المخالف إذا أصر بعد ظهور الحجة، وقد دعا ابن عباس إلى ذلك ثم الأوزاعي (٣) ووقع ذلك لجماعة من العلماء، ومما عرف بالتجربة أن من باهل وكان مبطلاً لا تمضى عليه سنة من يوم المباهلة.
قال ابن حجر: ووقع لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة فلم يقم بعدها غير شهرين" (٤).
_________
(١) سورة البقرة الآية: (١٤٦ - ١٤٧).
(٢) ابن حجر العسقلاني هو: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد ابن حجر الكناني العسقلاني، ولد سنة (٧٧٣ هـ) وتوفي سنة (٨٥٢ هـ)، من مصنفاته: فتح الباري شرح صحيح البخاري، وتهذيب التهذيب. انظر: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، المؤلف: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، طبع دار مكتبة الحياة بيروت، بلا (٢/ ٣٦)، وهدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين (١/ ٦٩) مرجع سابق.
(٣) عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الأوزاعي. أبو عمرو الفقيه، ثقة جليل. مات سنة (١٥٧ هـ). انظر: تقريب التهذيب (٣٩٦٧) المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، (٧٧٣ - ٨٥٢ هـ)، الناشر: دار الرشيد، سوريا، ١٤٠٦ - ١٩٨٦، الطبعة الأولى، تحقيق/محمد عوامة.
(٤) انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، (٨/ ٩٥) مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon