قال: وليي جبريل - عليه السلام -، ولم يبعث الله نبياً قط إلا وهو وليه.
قالوا: فعندها نفارقك، لو كان غيره لاتبعناك وصدقناك!
قال: فما يمنعكم أن تصدقوه؟
قالوا: إنه عدونا من الملائكة؛ فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ (١)} (٢).
أما هذه المناظرة فتبين لنا موقف أكثر اليهود والنصارى قديماً وحديثاً أنهم لايؤمنون بالله ولا برسله ولا بملائكته ولا بكتبه، وأنهم ينقضون العهود التي عاهدوا عليها الرسول - ﷺ -، كما هو دأبهم وديدنهم في نقض العهد والميثاق، وذلك ما يؤكد صدق قوله تعالى: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ (٣).
وكان الأولى بهم أن يؤمنوا؛ لان هذه الأسئلة لا يعلمها إلا نبي، وهم يعرفون ذلك، وقد أجاب عليهم رسول الله - ﷺ - بما سألوه، ولكنهم كذبوا وعاندوا بعد ظهور الحق وزوال الشك، فماذا بعد الحق إلا الضلال.
الفرع الثاني: مناظرة جعفر بن أبي طالب مع النجاشي:
لم تقتصر المناظرات مع أهل الكتاب في العصر الأول من الإسلام مع رسول الله - ﷺ - فحسب، بل امتدت لتقام مع أصحابه رضوان الله عليهم.
فقد حصلت في العصر الأول مناظرات بين الجيل الأول وأهل الكتاب، وهذه المناظرات تتجلى فيها قوة الحق وزيف الباطل، ويتجلى فيها فقه السلف لهذا الدين، وتشرب قلوبهم للقرآن الكريم وتعاليمه، ولذلك يظهر الله الحق على ألسنتهم بوضوح، ولا يجد المناظر لهم من المخالفين مفراً من أحد أمرين:
_________
(١) سورة البقرة الآية: (٩٧ - ٩٨).
(٢) رواه الطيالسي في مسنده عن شهر ابن حوشب (١/ ٢٢١) برقم (٢٧٣١)، المؤلف: سليمان بن داود أبو داود الفارسي البصري الطيالسي، الناشر: دار المعرفة بيروت، والدر المنثور (١/ ٢٢١).
(٣) سورة البقرة الآية: (١٠٠).


الصفحة التالية
Icon