قالت: فقال له جَعْفَرٌ: نعم.
فقال له النجاشي: فَاقْرَأْهُ علي؟
فَقَرَأَ عليه صَدْراً من (كهيعص).
قالت: فَبَكَى والله النجاشي حتى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حتى أخضلوا مَصَاحِفَهُمْ حين سَمِعُوا ما تَلاَ عليهم، ثُمَّ قال النجاشي: إن هذا والله والذي جاء بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ من مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، انْطَلِقَا فَوَاللَّهِ لاَ أُسْلِمُهُمْ إِلَيْكُمْ أَبَداً وَلاَ أَكَادُ. وهذا القسم من النجاشي يخاطب به رسل قريش الثلاثة بقوله: انطلقا، وهم عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد بن المغيرة، وعبدالله بن أبي ربيعة
قالت أُمُّ سَلَمَةَ: فلما خَرَجَا من عِنْدِهِ قال عَمْرُو بن الْعَاصِ: والله لأنبئنهم غَداً عَيْبَهُمْ عندهم ثُمَّ أستأصل بِهِ خَضْرَاءَهُمْ.
قالت: فقال له عبد اللَّهِ بن أَبِى رَبِيعَةَ وكان أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا: لاَ تَفْعَلْ، فإن لهم أَرْحَاماً وَإِنْ كَانُوا قد خَالَفُونَا.
قال: والله لأُخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَبْدٌ.
قالت: ثُمَّ غَدَا عليه الْغَدَ فقال له: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ في عِيسَى بن مَرْيَمَ قَوْلاً عَظِيماً، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فيه.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عنه.
قالت: ولم يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهُ، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ فقال بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ في عِيسَى إذا سَأَلَكُمْ عنه؟
قالوا: نَقُولُ -والله فيه ما قال الله، وما جاء بِهِ نَبِيُّنَا كَائِناً في ذلك ما هو كَائِنٌ.
فلما دَخَلُوا عليه قال لهم: ما تَقُولُونَ في عِيسَى بن مَرْيَمَ؟
فقال له جَعْفَرُ بن أَبِى طَالِبٍ: نَقُولُ فيه الذي جاء بِهِ نَبِيُّنَا، هو عبد اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ.
قالت: فَضَرَبَ النجاشي يَدَهُ إلى الأَرْضِ، فَأَخَذَ منها عُوداً ثُمَّ قال: ما عَدَا عِيسَى بن مَرْيَمَ ما قُلْتَ هذا الْعُود! فتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حين قال ما قال.
فقال: وإن نَخَرْتُمْ والله، اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بأرضي وَالسُّيُومُ الآمِنُونَ من سَبَّكُمْ غُرِّمَ، ثُمَّ من سَبَّكُمْ غُرِّمَ، فما أُحِبُّ أن لي دَبْراً ذَهَباً وإني آذَيْتُ رَجُلاً مِنْكُمْ وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الجعل رَدُّوا