قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: " (بما أنزلت) أي: ما أنزل على محمد - ﷺ - من القرآن" (١).
وبنحوه قال ابن كثير (٢)، والقرطبي (٣)، والنسفي (٤)، وقد قرر بعض المفسرين أن الدليل على أن المراد بهذه الآية هو القرآن الكريم أمران: "أحدهما: أنه وصفه بكونه منزلاً، وذلك هو القرآن؛ لأنه تعالى قال: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ﴾ (٥).
والثاني: وصفه بكونه مصدقاً لما معهم من الكتب، وذلك هو القرآن" (٦).
وإذا تقرر أن المراد القرآن الكريم فمعناه أن أهل الكتاب مخاطبون في هذه الآية بالإيمان به واتباعه، لأنه ناسخ لما قبله من الكتب ومهيمن عليها.
٢ - قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ (٧).
وهذا الخطاب القرآني في هذه الآية أيضاً يأمر أهل الكتاب بالإيمان بالقرآن الكريم؛ كونه مصدقاً لما في الكتب السابقة، ويأمرهم"بالإيمان بالكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات، ومتهدداً لهم إن لم يفعلوا بلعنهم وطمس وجوههم بقوله تعالى: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ... ﴾ (٨).
والدلالة في هذه الآية واضحة من خلال استخدام فعل الأمر بوجوب الإيمان بالقرآن، وإتباع الأمر بالإيمان يبين غنى الله سبحانه وتعالى عنهم لو كفروا، وتوعدهم بالعقوبة والنكال إذا تأخروا عن ذلك، وهذا تأكيد على وجوب الإيمان بالقرآن.
_________
(١) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن (١/ ٢٥١) مرجع سابق.
(٢) انظر: تفسير القرآن العظيم (١/ ٨٤) مرجع سابق.
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١/ ٣٣٣) مرجع سابق.
(٤) انظر: تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي (١/ ٤٩) مرجع سابق.
(٥) سورة آل عمران الآية: (٣).
(٦) انظر: التفسير الكبير (٣/ ٣٨) مرجع سابق.
(٧) سورة النساء الآية: (٤٧).
(٨) انظر: تفسير القرآن العظيم (١/ ٥٠٨) مرجع سابق.