وفي هذه الآية دلالة واضحة أن من وصله خبر الرسول - ﷺ - من أهل الكتاب وغيرهم فقد وجب عليه الإيمان به، وقد أُقيمت عليه الحجة. لقوله - ﷺ -: ﴿وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيده لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ من هذه الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ ولا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ ولم يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إلا كان من أَصْحَابِ النَّار﴾ (١).
٦ - نداؤهم بـ (بهؤلاء)، كقوله تعالى: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (٢).
ومن بلاغة القرآن الكريم في خطابه لأهل الكتاب أنه خاطبهم بهؤلاء للإخبار عن حالهم، والهاء للتنبيه في موضع النداء يعني: يا هؤلاء والمراد بهم أهل الكتابين، يعني: يا معشر اليهود والنصارى" (٣).
ونكتة الخطاب هنا باسم الإشارة (هؤلاء) كما قال الزمخشري (٤): "يعني: أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى، وبيان حماقتكم وقلة عقولكم أنكم حاججتم فيما لكم به علم مما نطق به التوراة والإنجيل، فَلِمَ تحاجون فيما ليس لكم به علم ولا ذكر له في كتابيكم من دين إبراهيم؟ " (٥).
وكقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ..﴾ (٦).
_________
(١) أخرجه مسلم، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - ﷺ - إلى جميع الناس ونسخ الْمِلَلِ بِمِلَّتِهِ، (١/ ١٣٤) برقم: (١٥٣) مرجع سابق.
(٢) سورة آل عمران الآية: (٦٦).
(٣) انظر: لباب التأويل في معاني التنزيل (١/ ٣٦٣) المؤلف: علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي الشهير بالخازن، الناشر: دار الفكر بيروت / لبنان، طبعة عام (١٣٩٩ هـ /١٩٧٩ م).
(٤) هو الأمام محمود بن عمر بن محمد بن عمر العلامة أبو القاسم الزمخشري الخوارزمي، النحوي اللغوي المتكلم المفسر يلقب بجار الله لأنه جاور بمكة زماناً، ولد في شهر رجب سنة (٤٦٧ هـ) بزمخشر قرية من قرى خوارزم، له مؤلفات كثيرة من أشهرها كتاب الكشاف في التفسير، وكانت وفاته في ليلة عرفة (٥٣٨ هـ). انظر: طبقات المفسرين، الأدنروي (ص: ١٧١١٧٢) مرجع سابق.
(٥) انظر: تفسير البحر المحيط (٢/ ٥١٠) المؤلف: محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي، الناشر: دار الكتب العلمية لبنان/ بيروت ١٤٢٢ هـ ٢٠٠١ م، الطبعة: الأولى، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود الشيخ علي محمد معوض، شارك في التحقيق ١ د. زكريا عبد المجيد النوقي ٢ د. أحمد النجولي الجمل.
(٦) سورة البقرة الآية: (٨٥).