وقوله: " أو آمنوا به بقلوبكم كما آمنتم بألسنتكم" أي: على أنها خطاب للمنافقين.
وقوله: " أو آمنوا إيمانا تامّاً عامّاً يعم الكتب والرسل فإن الإيمان بالبعض كلا إيمان أي: على أنها خطاب لمؤمني أهل الكتاب.
والحديث الذي أورده البيضاوي عن ابن سلام وأصحابه يؤيد القول بأن المخاطب بها أولاً أهل الكتاب، ولا يوجد مانع من دخول غيرهم كما سيأتي عن الجزائري (١).
وعليه:
فالآية تخاطب أهل الكتاب من آمن منهم على قول وبعضهم لا يذكر غيره.
قال شيخ المفسرين الإمام الطبري رحمه الله تعالى: " (يا أيها الذين) يعني: بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا بمن قبل محمد من الأنبياء والرسل وصدقوا بما جاءوهم به من عند الله، (آمنوا بالله ورسوله) يقول: صدقوا بالله وبمحمد رسوله أنه لله رسول مرسل إليكم وإلى سائر الأمم قبلكم، (والكتاب الذي نزل على رسوله) يقول: وصدقوا بما جاءكم به محمد من الكتاب الذي نزله الله عليه، وذلك القرآن" (٢).
وقال الجزائري وهو من المفسرين المعاصرين: "فهي في خطاب أهل الكتاب خاصة وفي سائر المؤمنين عامة، فالمؤمنون تدعوهم إلى تقوية إيمانهم ليبلغوا فيه مستوى اليقين، أما أهل الكتاب، فهي دعوة لهم للإيمان الصحيح، لأن إيمانهم الذي هم عليه غير سليم، فلذا دعوا إلى الإيمان الصحيح فقيل لهم: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) محمد (وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ) وهو القرآن الكريم" (٣).
والحديث الذي ذكره البيضاوي رحمه الله تعالى_ يبين لنا فيه موقف بعض أهل الكتاب حينما أرادوا الإيمان بمحمد - ﷺ - وكتابه القرآن الكريم وبموسى وعزير عليهما السلام فقط، والكفر بما سواه من الكتب والرسل.
_________
(١) الجزائري: جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري، ولد في قرية ليرة جنوب بلاد الجزائر عام ١٩٢١ م، عمل مدرساً في دار الحديث في المدينة المنورة، من مصنفاته: منهاج المسلم، وعقيدة المؤمن، وأيسر التفاسير للقرآن الكريم، وغيرها.
(٢) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن (٥/ ٣٢٥ - ٣٢٦) مرجع سابق.
(٣) انظر: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير (ص: ٣٠٣)، المؤلف: أبي بكر جابر الجزائري، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الأولى عام (١٤٢٣ هـ ٢٠٠٢ م).


الصفحة التالية
Icon