﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (١) وفيه تهديد ووعيد لمن لم يؤمن بالله وبرسوله وبدينه الإسلام.
قال الإمام الطبري رحمه الله في قوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ أي: وقل يا محمد للذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى والأميين الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب: (أأسلمتم). يقول: قل لهم هل أفردتم التوحيد وأخلصتم العبادة والالوهة لرب العالمين، دون سائر الأنداد والإشراك التي تشركونها معه في عبادتكم إياهم، وإقراركم بربوبيتهم وأنتم تعلمون أنه لا رب غيره ولا إله سواه، (فإن أسلموا) يقول: فإن انقادوا لإفراد الوحدانية لله وإخلاص العبادة والالوهة له (فقد اهتدوا) يعني: فقد أصابوا سبيل الحق وسلكوا محجة الرشد (٢).
وأخرج ابن أبي حاتم (٣) عن الربيع (٤): ﴿فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ (٥) قال: من تكلم بهذا صدقاً من قلبه، يعني الإيمان (فقد اهتدى)، (وإن تولوا) يعني: عن الإيمان (٦).
والمقصود هنا بالإيمان دين الإسلام، وهذا هو الصحيح لأنه ربط الإيمان بالعمل، وربط النطق باللسان باعتقاد القلب.
قال سيد قطب رحمه الله في قوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ﴾.
قال: "فهم سواء هؤلاء وهؤلاء المشركون وأهل الكتاب، هم مدعوون إلى الإسلام بمعناه الذي شرحناه، أي: فليس هو مجرد التصديق، إنما هو الإتباع، كما أن التعبير بإسلام الوجه -أي: في أول الآية ذو مغزى كذلك، فليس هو مجرد النطق باللسان أو الاعتقاد بالجنان. إنما هو كذلك الاستسلام بالطاعة والإتباع، وإسلام الوجه كناية عن هذا الاستسلام، والوجه أعلى وأكرم ما في الإنسان، فهي صورة الانقياد
_________
(١) سورة آل عمران الآية: (٨٥).
(٢) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن (٣/ ٢١٤) مرجع سابق.
(٣) أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران التميمي، الحنظلي، ولد سنة ٢٤٠ أو ٢٤١ هـ، عالم محدث، مفسر، عارف بالرجال، فقيه، أصولي، متكلم. من مؤلفاته: تفسير القرآن الكريم، والجرح والتعديل. انظر: سير أعلام النبلاء (٢٥/ ٢٦٣) مرجع سابق، شذرات الذهب (٢/ ٣٠٥) مرجع سابق.
(٤) الربيع بن أنس ابن زياد البكري، ويقال: الحنفي البصري، تابعي روى عن أنس، توفي سنة ١٣٩ هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، (٦/ ٣٠٦) مرجع سابق، وتهذيب التهذيب (٣/ ٢٣٨) مرجع سابق.
(٥) سورة البقرة الآية: (١٣٧).
(٦) انظر: تفسير القرآن لابن أبي حاتم (١/ ٢٤٤) برقم: (١٣٠٨)، المؤلف: عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي، الناشر: المكتبة العصرية صيدا، تحقيق: أسعد محمد الطيب.