فالصَّوابُ: أن المَعْنَى جَعْلُ هَذ الكلمَةِ هِيَ الكلمَةَ الوَحيد الَّتِي يَسِيرُ عَلَيهَا مَنْ بَعدَهُ، سَواءٌ الْتَزَمُوها أَمْ لَمْ يَلْتزِمُوهَا.
وقَولُهُ رَحَمَهُ اللهُ: [﴿لَعَلَّهُمْ﴾ أَي: أهْلَ مكَّةَ] ولَوْ قِيلَ: ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ أي: عَقبِهِ؛ لأَنَّ الآياتِ لَيسَ فِيهَا ذِكْرُ أهْلِ مَكَّةَ، فِيهَا العَقِبُ.
ومَعلُومٌ أن أهلَ مكَّةَ مِنْ عَقبِهِ، وأنَّ بَنِي إسرَائِيلَ مِنْ عَقبِهِ، فإِذَا قُلْنا: إنَّ الضَّميرَ فِي ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ يَعُودُ إِلَى ﴿عَقِبِهِ﴾ صَارَ أعَمَّ ممَّا قَال المفسِّر؛ لأَنَّه خصَّها بجُزْءٍ مِنَ العَقِبِ، وهَذَا قُصُورٌ بِلَا شَكٍّ؛ ولهَذَا اتَّخِذْ هذ القَاعِدة (لَا تُفسِّر القُرآنَ بأخَصَّ ممَّا يَدُلُّ عَلَيهِ)، بمَعْنَى: إِذَا كَانَ القُرانُ يَدُلُّ عَلَى شَيءٍ عَامٍّ فَلَا تُخصِّصْه، إلَّا إِذَا كَانَ هُناكَ دَلِيلٌ، وإلَّا فأَبْقِه عَلَى عُمُومِهِ.
إذَنْ: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى العَقِبِ مِنْ قُرَيشٍ وبَنِي إسرَائِيلَ.
لكِنْ مَا مَعْنَى ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً﴾؟
عَلَى كَلَامِ المُفسِّر رَحَمَهُ اللهُ يَعْنِي: أنَّها ستَبْقَى هَذ الكلمَةُ فِي العَقِبِ، فلَا يُمكِنُ أَنْ يُفقَدَ مِنْهُم التَّوحيدُ.
والصَّوابُ: أن جَعْلَها جَعْلًا شَرْعيًّا، بمَعْنى أنَّهُ عَهِدَ إِلَى عَقبِهِ أَنْ يُوحِّدوا اللهَ عَزَّ وَجلَّ فمِنْهُمْ مَنْ أَطَاعَ ومِنْهُم مَنْ عَصَى.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: مزيَّة عظِيمَةٌ لإِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَامُ: وهِيَ إعْلَانُهُ البرَاءَةَ ممَّا يَعبُدُ قَومُهُ ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾.