لذَلِكَ أَحُثُّكُم -أيُّها الإِخْوةُ- عَلَى تَعلُّمِ مَعْنَى القُرآنِ الكَرِيمِ، فاقْرَؤُوا كُتُبَ التَّفسِيرِ المَوثُوقَةِ، واحْذَرُوا الكُتُبَ الَّتِي لا يُعرَفُ مَنْ أَلفَها أَو الَّتِي عُرِفَ مَنْ أَلفَهَا بأنَّهُ مُنحرِفٌ، أَوْ مَا أشْبَهَ ذَلِكَ؛ لأَنَّ مِنَ المُفسِّرينَ مَنْ حرَّف القُرْآنَ ونَقَلَهُ إِلَى مَا يَعتَقِدُهُ هُوَ، لَا إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَيهِ القُرآنُ، فاحْذَرُوها، وإِذَا لَمْ تَتَمَكَّنُوا مِنْ هَذَا فاسْألوا أهْلَ العِلْمِ حتَّى تَستَفِيدُوا مِنَ القُرآنِ الكَريمِ.
ثانيًا: قَال سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: ٢٩] ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ﴾ أَي: يَتَّعِظَ أصحَابُ العُقولِ. وانْظُر الفَرقَ بينَ قَولِهِ: ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ حَيثُ عمَّم فِيهَا، وقَولِهِ: ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ حَيثُ خَصَّ؛ لأنَّهُ لَا يَتَذكَّرُ بالقُرآنِ ولا يَتَّعِظُ بِهِ إلَّا أصْحَابُ العُقُولِ، كَمَا قَال اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: ٣٧].
فإِذَا قَال قَائِلٌ: إِلَى مَنْ نَرجِعُ في تَفسِيرِ القُرْآنِ؟
فالجَوابُ: نَرجِعُ إِلَى القُرآنِ، نُفسِّرُ القُرآنَ بالقُرآنِ، فإِنْ لَمْ نجِدْ فبالسُّنَّةِ، فإِنْ لَمْ نَجِدْ فبأَقْوَالِ الصَّحابةِ، ولا سِيَّمَا المُفسِّرُونَ مِنْهُمْ، فإِنْ لَمْ نَجِدْ رَجَعْنا إِلَى أقْوَالِ التَّابعِينَ -المُفسِّرين منْهُم- كمُجاهِدِ بن جَبْرٍ وغَيرِهِ رَحِمَهم اللَّهُ.
مثَالُ تَفسيرِ القُرآنِ بالقُرآنِ: قولُهُ تعَالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار: ١٧ - ١٩]، ﴿الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾ [القارعة: ١ - ٤]، والأمثلَةُ كَثيرَةٌ.
مثَالُهُ مِنَ السُّنَّة: قَولُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] ﴿الْحُسْنَى﴾ يَعْنِي: الجَنَّة. ﴿وَزِيَادَةٌ﴾ هِيَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، فَسَّر ذَلِكَ


الصفحة التالية
Icon