أنه أعَمُّ من القرآن ويَشْمَلُ حتى من ذُكِّروا بالتَّوْراة في زَمَنِ التَّوراة، ومن ذُكِّروا بالإنجيل في زمَنِ الإنجيل، وبالزَّبورِ في زمن الزَّبُور؛ لأنَّ هذا حُكْمٌ عامٌّ.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿بِآيَاتِ رَبِّهِ﴾ أتى بالرُّبُوبيَّة المقْتَضِيَةِ للإنقياد؛ لأنه ما دام التَّذْكيرُ بآيات ربٍّ لك فأنت مربوبٌ عبدٌ، والمربوبُ في تدبيرِ ربِّه.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا﴾ وفي آيَةٍ أخرى ﴿فَأَعْرَضَ عَنْهَا﴾ والفَرْقُ أنَّه في الآيات الأخرى ﴿فَأَعْرَضَ﴾ أنه بادَرَ بالإعراضِ، وفي الثَّانِيَة بعدما فكَّر وقدَّر، وفي هذه الآية: أَعْرَض، والنَّاسُ هكذا منهم من يُعْرِضُ لأَوَّل وَهْلَة ولا يَلْتَفِت ولا يُفَكِّر، ومنهم من قد يفكِّر، ولكن في النهاية يُعْرِضُ.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ الجملة استئنافِيَّة لبيان أو لتهديدِ هؤلاء المُعْرِضينِ، وبيانِ أنَّهُم من المجرمينَ؛ ولهذا قال: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ وهو إظهارٌ في مَوْضِعِ الإضمار، والأَصْل: (إنَّا مِنهم)، لكنْ أظْهَرَ في مَوْضِعِ الإضمار للسَّبَبين السابِقَيْن اللذينِ أَشَرْنا إليهما:
١ - أنه من أَجْل أن يحكم على هؤلاء بالإجرامِ.
٢ - ولأجل أن يكون الحُكْمُ عامًّا لكلِّ مُجْرمٍ فيهم وفي غيرهم.
والإجرامُ بمعنى الإثْم، والمُجْرِمُ هو الآثِم الذي ارتَكَبَ ما لا يحِلُّ له؛ كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ مُنْتَقِمون، جَمَعَ ليطابِقَ المبتدأَ ﴿إِنَّا﴾ الذي هو اسم (إنَّ) يعني أصبحت (إنَّنَا) لكن حُذِفَتْ النُّونُ الثَّانِيَة تخفيفًا.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ الجمع هنا وفي كل ما يضاف