وقال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [الإسراء] لأنَّ الإسْراءَ والمعْراجَ في ليلةٍ واحِدَة، هذا ما ذَهَبَ إليه المُفَسِّر؛ ويُحْتَمَلُ أنَّ قوله تعالى: ﴿فَلَا تَكُنْ﴾ خطابٌ لموسى؛ يعني: آتَيْنا موسى الكتابَ قائلينَ له: لا تَكُنْ في مِرْيَةٍ من لقائِهِ؛ أي لقاءِ الجَزاءِ عليه؛ أي: على الكتابِ، والمعنى أنَّ هذا الكتابَ الذي آتيناكَ إيَّاه لا بدَّ أن يُحاسَبَ عليه مَن نَزَلَ إليهم حتى يلاقُوا جزاءَهُم.
ويُحتَمَل أنَّ المعنى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ﴾ أي لقاء ما لَقِيَه موسى من الأذى؛ فإنَّ موسى أُوذِيَ، وقال النَّبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَقَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذا فَصَبَرَ" (١) وهذا أيضًا من المعنى الحَسَن: أنَّ المعنى: أنَّنا آتَيْناه وآتَيْناكَ أيضًا وأُوذِيَ فسَتُؤْذَى؛ فلا تَكُنْ في شكٍّ من هذا، وهذا هو الواقِعُ؛ فإنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَقِيَ من الأَذى الشَّيْءَ الكثيرَ، وكُلُّ من تَبِعَ شَريعَتَه وانْتَهَج مِنهاجَهُ في الدَّعْوة إلى الله والعَمَل في شَريعَةِ الله فَسَيَلْقى الأذى، ولكنَّ الشَّأْنَ كلَّ الشَّأْنِ: هل يَلْزَمُ من الأَذى الضَّرَرُ؟
الجوابُ: لا يَلْزَمُ من الأذى الضَّرَرُ؛ ولهذا يَصِحُّ أن نقولَ: إنَّ الله يُؤْذَى ولا يتضَرَّرُ؛ كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ وكما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في الحديث القُدُسِيِّ: "يُؤْذِيني ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ" (٢) مع أنه قال عَزَّ وَجَلَّ في الحديثِ القُدُسِيِّ: "يَا عِبَادِي، إنَّكُمْ لم تَبْلُغُوا ضُرِّي
(٢) أخرجه البخاري: كتاب التفسير، باب ﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ الآية، رقم (٤٨٢٦)، ومسلم: كتاب الأدب، باب النهي عن سب الدهر، رقم (٢٢٤٦)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.