وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ دلالاتٍ على قُدْرَتِنا] ولو قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: "وعلى انتقامِنا من المُجْرمينَ" لكان أَوْلى وأَنْسَبَ، لأنَّ المقامَ الآن مقامُ اعتبارٍ بما جرى، فيكون هذا فيه دلالَةٌ على الإنتقام من المكَذِّبينِ، فيكون أدعى للإعتبارِ.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ﴾ هذا للتَّوْبيخِ، الإسْتِفْهامُ للتَّوْبيخ، والمرادُ: قال المُفَسِّر: [﴿أَفَلَا يَسْمَعُونَ﴾ سَماعَ تدبُّرٍ واتِّعاظٍ] وإلا فهم يسمعون سماعَ إدراكٍ، لكنْ سماعُ الإدراكِ لا يُجْزِئ، بل يَضُرُّ، فإذا لم تنتفِعْ بسماعِ الإدراك - يعني بالأذن - كان ضررًا عليك، كما أنَّ العِلْمَ إذا لم تَنْتَفِعْ به كان ضررًا، فالمراد هنا: سَماعُ الإتِّعاظِ والإعْتِبارِ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: استعمالُ ضرْبِ الأمثالِ؛ تُؤخَذُ من قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ يعني: فإذا كنَّا أهْلَكْنا مَنْ قَبْلَهُم فسَنُهْلِكُهُم إذا كانوا مِثْلَهم؛ ولهذا قال الله عَزَّ وَجَلَّ في سورة يوسف: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الإستدلالُ بالشَّيْء المحسوسِ على الشَّيْء المعقولِ؛ لقوله تعالى: ﴿يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾؛ أو بعبارة أخرى: الإستدلالُ بِعَيْنِ اليقينِ على صِدْقِ عِلْمِ اليقين؛ فقوله تعالى: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ﴾ هذا عِلْمُ اليقينِ، وقوله تعالى: ﴿يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾ هذا عين اليَقينِ.