الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: جواز المشي بدارِ المُعَذَّبينَ ومساكِنِهم؛ تُؤخَذُ من قوله تعالى: ﴿يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾ ولكن: هل ذِكْر الخَبر عن الشَّيْء يفيد حِلَّه؟ والحقيقة أنه لا يُفيدُ، يعني: كَوْنُ هذا هو الواقِعَ الحقيقة أنَّهُم يمشون في مساكِنِهم لا يدُلُّ أنَّ هذا المشي مأذون فيه، وقد أخبر النَّبِيُّ - ﷺ - أنَّ الظَّعينة تمشي من حَضر مَوْتَ إلى صنعاءَ مسيرًا لا تخشى إلا الله (١)، والظَّعِينة وحدها حرامٌ أن تسيرَ هذا المسير، وقال الرَّسُول - ﷺ -: "لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ؛ الْيَهُود والنَّصَارَى" (٢) وهذا حرامٌ.
فالإخبار عن كَوْنِهم يَمْشُون في مساكِنِهِم لا يدلُّ على أنَّ المَشْي حلالٌ، لَكِنْ هل يدلُّ على أنَّه حرامٌ؟
الجوابُ: لا يدلُّ على أنَّه حلال ولا على أنَّه حرامٌ؛ فنَرْجِعُ إذن إلى الأدِلَّةِ الدَّالَّة على ذلك على التَّحْريمِ أو التَّحْليل، فنجد أنَّ الأَدِلَّة تدُلُّ على أنَّ السَّيْرَ فيها جائِزٌ، وأمَّا السكنى فلا تجوز، ومع ذلك فقد قال الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاءِ المُعَذَّبينَ إِلَّا أن تَكُونوا باكينَ، فإن لم تَكُونوا باكينَ فَلَا تَدْخُلُوهَا" (٣)

(١) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم (٣٥٩٥)، من حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه -، بلفظ: "لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله". وأخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم (٣٦١٢)، من حديث خباب بن الأرت - رضي الله عنه -، بلفظ: "والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه".
(٢) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم (٣٤٥٦)، ومسلم: كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى، رقم (٢٦٦٩)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٣) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب نزول النبي - ﷺ - الحِجر، رقم (٤٤١٩)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، رقم (٢٩٨٠)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.


الصفحة التالية
Icon