وننتقل من هذا المعنى إلى أن نقولَ: هل الإستواءُ على العرش من الصِّفاتِ الفِعْلِيَّةِ أم من الصِّفاتِ الذَّاتِيَّةِ؟
الجوابُ: الإستواءُ من الصِّفاتِ الفِعْلِيَّة، وأنَّ كل شيء يتعلَّقُ بالمشيئة إن شاء الله فَعَلَ وإنْ شَاء لم يَفْعل، فهو من الصِّفاتِ الفِعْلِيَّة فضلًا عن الإسْتِوَاء على العَرْشِ، فإنَّه من الصِّفات الفعليَّة.
وأهلُ السُّنَّة يقولون: ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ أي علا عليه واستقرَّ، وكيف كان ذلك العُلُوُّ والإستقرارُ؟
لا ندري؛ ولهذا قال الإمامُ مالكٌ رَحِمَهُ اللهُ لما سُئِلَ؛ قيل له: يا أبا عبد الله ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] كيف استوى؟ فأَطْرَقَ رَحِمَهُ الله بِرَأْسِهِ حتى علاه الرُّحَضَاءُ - العَرَقُ - من شِدَّة وقْعِ هذا السُّؤالِ على قلبه، ثم رَفَعَ رأسه، وقال: "الإسْتِواءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، والكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، والإيمانُ به واجِبٌ، والسُّؤَالُ عنه بِدْعَةٌ" (١)؛ ويُنْقَلُ عن مالكٍ على غيرِ هذا اللَّفْظِ أنه قال: "الإستواءُ مَعْلومٌ، والكَيْفُ مَجْهولٌ، والإيمانُ عنه واجِبٌ، والسُّؤالُ عنه بدعة" (٢) لكن الذي صَحَّ عنه بالسَّنَدِ هو اللَّفْظُ الأَوَّلُ، وهو: "الإستواءُ غيرُ مجهولٍ، والكَيْفُ غير مَعْقولٍ، والإيمانُ به واجبٌ، والسُّؤالُ عنه بِدْعَةٌ" ثم قال: "ما أُراكَ إلا مُبْتَدِعًا! " مع أنه يُحْتَمَلُ أنه سألَ سُؤالَ اسْتِفْسارٍ ولم يسألْهُ إفحامًا، ولهذا قال: وما أُراك أوْ ما أظُنُّك إلَّا مُبْتَدِعًا، ثم أمر به فأُخْرِجَ من الحَلْقَة لئلَّا يُشَوِّشَ على النَّاس.
(٢) انظر: الإقتصاد في الإعتقاد للغزالي (ص: ٣٨)، والملل والنحل (١/ ٩٣)، والعرش للذهبي (١/ ١١٧ - ١١٨).