الحاصل: أننا نقولُ: الإستواءُ غير مجهولٌ، أو أنه مَعْلومٌ معنًى في اللُّغَة العربيَّة والقرآنُ نزل باللُّغة العربيَّة؛ فمعناه لغةً: علا واستقرَّ.
وقوله: "الكيفُ غير معقولٍ" يعني: ما نَعْقِلُه نحن، وهذا أبْلَغُ من كَلِمَة مجهول، يعني لا يُمكن أن يُدْرِكَه العَقْلُ أو يُحيطَ به، فالله أعظمُ من أن تُدْرِكَ العقولُ كُنْهَ ذاتِهِ وصفاتِه.
ثم إذا انتفى عنه الدليل العقليُّ أثبت الدليلُ السَّمْعِي، ولم يَرِدِ السَّمْعُ بذكْرِ الكيفيَّةِ، فإذا انتفى عنه الدَّليلانِ: العقليُّ والسَّمْعِيُّ، فإنَّه يجب التَّوَقُّفُ؛ ولهذا الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم التَزَموا جانِبَ التَّوَقُّفِ، مع أنَّهم أَحْرَصُ منَّا على القَوْل وعلى العِلْم؛ فهل سألوا الرَّسولَ - ﷺ - فقالوا: كيف استوى أو لا؟
لا؛ ولهذا قال رَحِمَهُ الله: "والسُّؤالُ عنه بِدْعَةٌ": "السؤال عنه" يعني عن الكيفيَّة بدعة، فما كان الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم يسألون عن هذا، ولا يُمكِنُ الوصولُ إليه، فإذن السُّؤالُ عنه تكلُّفٌ من حيث لا يُمْكِنُ الوصولُ إليه، وبدعَةٌ من حيث لم يَسْأَلْ عنه الصَّحابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
وقوله: "والإيمانُ به واجبٌ": "الإيمان به" بالإستواءِ على العَرْش، "واجِبٌ" لأنَّ الله أخبر به عن نَفْسِه، وما أخْبَرَ الله به عن نَفْسِه وَجَبَ علينا قَبُولُه، وألَّا نقيسَ ذلك بعقولنا.
فإذن - الحمد لله - الإستواءُ واضِحٌ، فالإسْتِواءُ معناه: العُلُوُّ والإسْتِقْرار وهو معلومُ المعنى، لكنَّ الكيفيَّةَ مجهولةٌ غَيْر مَعْقولة، يعني لا يُدْرِكُها العَقْلُ، ولا يستدلُّ عليها، والسَّمْعُ لم يَدُلَّ عليها؛ فوجب الوقوفُ؛ ولهذا قال الإمامُ مالك رَحِمَهُ اللهُ: "الكيفُ مجهولٌ، والإيمانُ به واجبٌ، والسُّؤالُ عنه بِدْعةٌ".


الصفحة التالية
Icon