وأهل البِدَعِ يَنْفونَ هذا الشَّيءَ، ويقولون: مُحالٌ أن يكون استوى على العَرْشِ؛ أي: علا عليه واستقَرَّ، ولكنَّ معناه: استولى على العَرْشِ وقَهَرَ ومَلَكَ، وإنَّ الإستواءَ فيه معنى ذلك؛ وقالوا: وَجَدْناه في قول القائِلِ:
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلى العِرَاقِ | مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ أَوْ دَمٍ مُهْرَاقِ |
وهذا البيتُ يُقال: إنَّ قائِلَه مجهولٌ لا يُعْلَم، وسبحانَ الله أن نَحْمِلَ القرآنَ الكريم على بيتٍ من الشِّعْر قائِلُه مجهولٌ! والرِّوايَةُ إذا كان فيها راوٍ مجهولٌ، فهي مَرْدودة حتى يَتَبَيَّن.
ثم نَقُول: على فَرْضِ أنَّ القائِلَ معلومٌ، وأنه من أَقْحاحِ العَرَبِ الذين لم تَتَلَوَّثْ ألسنتهم بِعُجْمَة؛ فإنَّ استوى على العراقِ يَصِحُّ أن نقولَ بمعنى علا على العراقِ؛ أي عُلُوًّا معنويًّا وليس حِسِّيًّا، ويَمْنَعُ أن يكون المرادُ به العُلُوَّ الحِسِّيَّ أنَّ العِراقَ لا يمكن أن يَجْلِسَ عليه بِشْرٌ؛ فيكون معناها هنا أمرًا عقليًّا، ويكون الإستواءُ هنا استواءً معنويًّا؛ بمعنى أنه علا عليه عُلُوًّا مَعْنَويًّا؛ وإذا فَسَّرْناها بمعنى علا عُلُوًّا معنويًّا كان أبلغَ من تفسيره بالإستواء؛ لأن مجرَّدَ الإستيلاءِ قد لا يَحْصُل به العُلُوُّ؛ قد يكون مُسْتَوِيًا لكنه كالعصا، فإذ قلنا استوى بمعنى علا علوًّا معنويًّا صار أبلغَ في التمَلُّك والقَهْر، فتبيَّن أنَّه لا حُجَّة في هذا البيت على كلِّ تقديرٍ.
ثم إنَّه مخالِفٌ لظاهِرِ القرآن، ومخالِفٌ لمِا أَجْمَعَ عليه السَّلَفُ والأَئِمَّةُ من أنَّ الإستواءَ بمعنى العُلُوِّ والإسْتِقْرار، ويكون هذا باطلًا.