إِذَن: الذي نؤمِنُ به أنَّ الله تعالى استوى على عَرْشِه استواءً يليقُ به؛ بمعنى علا واستقَرَّ، وعلى التَّرتيب فمِن بعدِ خلْق السَّموات استوى، لكن قبل أن يَخْلُق السَّموات مسكوتٌ عنه، فهو حين الخلق غير مستوٍ، وبعد الخلق مُسْتَوٍ. وأمَّا قبله فالله أعلم.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [هو في اللُّغَةِ سَريرُ المَلِكِ] استوى على العَرْش؛ إذن هو سريرٌ خاصٌّ يليق بالمَلِك وبِمُلْكِه؛ قال الله تعالى عن مَلِكَة سبأٍ كما أخبر عنها الهُدْهُدُ: ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل: ٢٣] وقال تعالى في قِصَّة يوسُفَ ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ [يوسف: ١٠٠] يعني السرير الخاص بالمَلِك، ولا بُدَّ أن يكون سريرًا مُفخَّمًا حَسَبَ مُلْكِه، هذا هو السَّريرُ، فيكون عَرْشُ الرحمنِ عَزَّ وَجَلَّ أعظَمَ شيء؛ لأنه عَرْشٌ لأَعظمِ الأشياءِ وهُو الله عَزَّ وَجَلَّ؛ ولهذا جاء في الحديث: "أنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الكُرْسِيِّ كَحَلْقَةٍ أُلْقِيَتْ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ" (١) أي: حلقة الدِّرْعِ، نسبة صغيرة؛ أُلْقِيَت في فَلاةٍ من الأرض، فلو أُلْقِيَتْ حلْقَةٌ في فلاةِ الأرضِ هل يَصِحُّ أن تُنْسَبَ إلى الفَلاة كم مُدَّتُها؟ ولا واحد من المليون، ليست بشيءٍ، ويمكن ألَّا تَقْدِرَ أن تُشاهِدَها "وإنَّ فَضْلَ العَرْشِ على الكُرْسيِّ كفَضْلِ الفَلَاةِ على هذه الحَلْقَةِ".
إِذَن: الكرسيُّ بالنِّسْبة للعرش كحَلْقَة أُلْقِيَت في فلاةٍ من الأرضِ، ومن هذا تَعْرِف مقدارَ عَظَمَةِ الخالِق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كيف خلق هذه الأشياءَ العظيمة.
يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [استواءً يليقُ به] نريد أن نناقِشَ المُفَسِّر عن هذه الكلمة،