لأن ﴿لَكُمُ﴾ خطاب لِجَمْع، وإذا كان الخطابُ لجمْعٍ لَزِمَ أن يكون السَّمْعُ لكُلِّ واحِدٍ، فيكون جمعًا.
قال أهلُ اللُّغَة: وإنَّما أَفْرد السَّمْعَ وجَمَعَ الأبصار؛ لأنَّ السَّمْعَ مَصْدَرُ سَمِعَ يَسْمَعُ سَمْعًا، والمصدَرُ لا يُجمَعُ ولا يُثَنَّى، وإنَّما يبقى مُفردًا ويكون مُرادًا به الجِنْس، والأبصارُ جَمْعُ بَصَرٍ، وهو القوَّة الباصِرَة وليس مصدرًا؛ لأنَّ المَصْدَرَ إبصارٌ؛ أَبْصَرَ يُبْصِرُ إبصارًا؛ ولهذا جَمَع؛ حيث إنَّ المرادَ به الجِنْسُ.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾ الأفْئِدَة يعني [القلوب]، فذكر الله عَزَّ وَجَلَّ طريقَ الفَهْم ومكانَ الفَهْم؛ فطريقُ الفَهْمِ هو السَّمْعُ والبَصَر؛ ومَحَلُّ الفَهْم والوَعْي هو القَلْبُ؛ ولهذا يكون السَّمْعُ والبَصَرُ كقَنَاتَيْنِ تَصُبَّان في القَلْب، فيتلقَّى ما يَسْمَع أو يُبْصِر ثم يَصبَّان في القلب، وهو مَحَلُّ الوعي والإدراك.
ولماذا لم يَذْكُرِ الشَّمَّ والذَّوْق واللَّمْسَ؟
الجوابُ: لأنَّ الإتِّعاظَ بالآياتِ يكون بالسَّمْعِ والبَصَر، وبدأ بالسَّمْعِ؛ لأنَّه أَشْمَلُ وأعَمُّ؛ لأنك تَسْمَعُ ما لا تراه، ولما كان أشْمَلَ وأعَمَّ كان الإبتلاء به - والحمد لله - أقَلَّ، لو نَسَبْت الشَّمَّ إلى العمى لوجدْتَ النِّسْبَةَ قليلةً؛ لأنَّ الصَّمَمَ أَشَدُّ، فوجود السَّمْع أهَمُّ.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ [﴿قَلِيلًا مَا﴾ ما: زَائِدَة مُؤَكِّدَة لِلْقِلَّةِ] ﴿قَلِيلًا﴾ مفعولٌ مُطْلَق يعني: تشكرون شُكْرًا قليلًا؛ يعني: مع هذه النِّعَم التي ساقها الله عَزَّ وَجَلَّ منذ ابْتَدَأ خَلْقَ الإنسانِ إلى انتقالِهِ في الأَرْحام إلى خُرُوجه بالسَّمْع والبَصَر والقلب؛ مع هذه النِّعَم العظيمَةِ فالشُّكْرُ قليلٌ؛ أي: