لو ترى ذلك الوَقْتَ الذي فيه المُجْرِمون على هذا الوَصْفِ لرَأَيْت أمرًا مُوجِعًا فظيعًا، وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿إِذِ الْمُجْرِمُونَ﴾ مبتدأٌ، و ﴿نَاكِسُو﴾ خبرٌ، والنُّونُ التي في (ناكِسُونَ) حُذِفَتْ لأَجْلِ الإضافَةِ.
وقوله تعالى: ﴿نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ﴾ أي: مُطَأْطِئُوها؛ يعني: خافِضُوها، والعياذُ بالله.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ يعني: عند الله عَزَّ وَجَلَّ وَهُم بين يديه يومَ القيامَةِ، ولكن ناكِسُوها، يقول المُفَسِّر [حياءً] وفي النَّفْسِ من هذا التَّفْسيرِ شيءٌ، ولَكِنَّ الظَّاهِرَ أنَّهُم ناكِسُوها ذُلًّا وخُضُوعًا لسلطانِ الله؛ بدليل قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾ أمَّا حياءً فالحياءُ محمودٌ، لكنْ كَوْنُهم يَنْكسونها ذلًّا هذا هو الواقِعُ: ﴿نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ ذلًّا؛ كما قال تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: ٤٥].
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾ جملة: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾ مقولٌ لِقَوْلٍ محذوفٍ؛ تقديره: يقولون ربنا أَبْصَرْنا، يعني يا رَبَّنا، ونادَوُا الله تعالى باسم الرُّبُوبِيَّة؛ لأنَّ الغالِبَ أنَّ الجُمَل الدُّعائِيَّة تأتي مُصَدَّرَة برَبٍّ؛ لأنَّ (رب) هو المالِكُ المتصَرِّفُ.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾ ما أَنْكَرْنا من البَعْثِ] هذا ما قاله المُفَسِّر؛ وعليه فيكون مفعولُ أبْصَرْنا محذوفًا، والتَّقْديرُ: ما أَنْكَرْنا من البَعْثِ.
ويُحْتَمَل أنَّ ﴿أَبْصَرْنَا﴾ هنا أي: حَضَرَت أَبْصارُنا وبصائِرُنا، فيكون أعَمَّ مما قدَّرَه المُفَسِّر؛ يعني: صِرْنا ذَوِي بَصَر وبصيرة الآن، فيكون أعَمَّ؛ يعني كأنَّهُم يقولون: الآن صِرْنا ذَوِي بَصَر وبصيرة، وهذا المعنى أعَمُّ وأَبْلَغ.