وكذلك (سَمِعْنا) يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿سَمِعْنَا﴾ منكَ تَصْديقَ الرُّسُلِ فيما كذَّبْناهُم فيه] لأنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يقول: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ٥٢] ولكن أيضًا هذا الذي قال المُفَسِّر لنا فيه وجْهٌ أحْسَنُ مما قال؛ فيكون معنى ﴿سَمِعْنَا﴾ أي كنا ذوي سَمْع الآن؛ ولهذا يقولون: ﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ﴾ يعني فيما مضى ﴿أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ١٠] أمَّا في يوم القيامة فيقولون: الآنَ صِرْنا ذَوِي بصر، وصِرْنا ذَوِي سَمْع.
وقوله تعالى: ﴿فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ﴾ ارْجِعْنا إلى الدُّنيا، وهو فِعْلُ طَلَبٍ أو دعاء، وليس فِعْلَ أمرٍ؛ لأنَّ المخلوقَ لا يوجِّه أمرًا إلى الخالِقِ، وقوله تعالى: ﴿نَعْمَلْ﴾ هذا جوابُ الطَّلَب مجزومٌ؛ يعني: إن تَرْجِعْنا نَعْمَلْ صالحًا.
وقوله تعالى: ﴿نَعْمَلْ صَالِحًا﴾ يعني عملًا صالحًا، والعَمَلُ الصَّالح تقدَّم كثيرًا أنَّه ما جمع شرطينِ؛ هما: الإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والمُتابَعَة للرَّسول - ﷺ -.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ الآن، فما يَنْفَعُهُم ذلك ولا يَرْجعون] معلومٌ أنه لا يَنْفَعُهم، إذا شاهدوا العذابَ فإنَّ الإيمانَ لا يَنْفَعُهم؛ فكُلُّ من شاهَدَ العذابَ فإنَّه لا ينفعه الإيمانُ؛ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ﴾ [غافر: ٨٤] قال الله تعالى: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: ٨٥] ولا أَحَدَ ينفَعُه إيمانُه بعد العذابِ إلا قَرْيَة واحِدَة وهم قومُ يونُسَ؛ لمَّا آمنوا كَشَفَ الله عنهم العذابَ؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ فالآن شاهَدَ العذابَ فلا يَنْفَعُ؛ ولهذا يَجِبُ على الإنسانِ أن يبادِرَ عُمُرَه قبل أن يَحلَّ به أَجَلُه فلا يستطيعُ الخلاصَ.